شيش برّاك...

استيقَظْت صباح أمس على رائحة زكية تفوح من المطبخ. رائحة لحم يُطهى ولبن يغلي ممزوج بنكهة البصل والتوابل. لم أستطع أن أحزر ما صنف الطبخة التي دفعت أم زهير للنهوض من فراشها باكراً صوب المطبخ (على غير عادة).

سحرتني تلك الرائحة وقادتني مباشرة من غرفة النوم إلى المطبخ كي أرى بأمّ العين ماذا تحضّر أم الزوز، فوجدتها "غارقة" بعَبَق الطحين، تلتّ وتعجن، ثم تحشو اللحم وتغمس باللبن (أنفخ باللبن).

بعد رمي الصباح عليها، سألتها: "شو عم تطبخي يا أم الزوز؟". ردت: "شيش برّاك".

أردفت: "لكن اسمها شيش برك بالبيروتي... شو هالتغيير الإتيمولوجي؟ لشو هالشدة على الراء؟".

ضحكت وقالت: "من وحي المناسبة"، غامزة من قناة ضيفنا الأميركي العزيز الذي غطّ ليومين ثم اختفى خلف البحار: توم برّاك.

غالباً ما تفتعل أم زهير المشاكل على الطبخ. تسألني ماذا أريد أن أأكل، فأقول ما عندي فكرة فترتعد وتتأفف ثم أستسلم لها بالقول بعد جدال: "يلي بتريديه". في كل صباح تختفي الوصفات من ذهنها، ويبدأ مسلسل النقّ اليومي.

لكنّ أم زهير هذه المرة، استخدمت على ما يبدو ذكاءها (على غير عادة) واستعانت بالـ Trend المنتشر في المواقع ونشرات الأخبار، مستلهمة اسم طبختها من اسم الضيف.

والشيش برك هي طبخة بيروتية "قحّ"، جذورها شرق أوسطية ومشهورة في بلاد الشام وآسيا الوسطى، وكذلك في جنوب القوقاز. يقال إنّ أصولها تعود إلى أوزبكستان فيما يذهب البعض إلى التأكيد أنّها تركية. تُصنع الشيش برك من دوائر عجين تُحشى باللحم والبصل المفرومين مع التوابل، وتُغمّس باللبن الذي يُفضّل أن يكون لبن ماعز من أجل إضفاء شيء من الحموضة المطلوبة على الطبق. تماماً كالحموضة التي أضفتها السلطة السياسية على إجابتها "الصايتة" رداً على ورقة أخينا برّاك.

اشتقاق اسم الطبخة (شيش برك) مجهول. بالإنكليزية اسمها Joshpara. لكن بعض المصادر تنسبها إلى التركية أو الفارسية، ويقال إنّها تعني "آذان الشايب"، تماماً كأذنَي "الشايب" توم برّاك الكبيرتين الذي حضر ليسمع من الرئاسات الثلاث، عن كثب وبلا مواربة، آراءها ومواقفها واختلاجات صدورها من سلاح "حزب الله".

الشايب أبى أن يعطي إلاّ إجابات دبلوماسية. كان قليل الكلام، لكن كثير الإيحاءات. أي نعم أظهر مرونة وفرحاً منقطعي النظير، لكن من يقرأ بين السطور استطاع أنّ يحزر ما صنف الطبق الذي يحضره لنا الدبلوماسي المخضرم ذو الأصول اللبنانية - الزحلاوية والمقبل من تركيا نفسها.

أكّد برّاك - مع التأكيد على شدّ الراء للتمييز بين عائلة برّاك اللبنانية واسم الرئيس الأميركي الأسبق "الموجهن" باراك أوباما - أنّ مهمّته "دقيقة ومحددّة" وتقتصر على استلام الإجابة المكتوبة من السلطات اللبنانية، وتوصيلها إلى الرئيس دونالد ترامب (أبو إيفانكا) في واشنطن.

اعترف برّاك أنّه مجرّد "شاب دليفري"، غير مخول بالتعليل والنقاش. مهمته نقل الإجابات والعودة برسالة أخرى في الأيام القبلة حسبما قال.

حتمًا لن تكون تلك الرسالة المنتظرة في غضون الأيام المقبلة: دعوة إلى العشاء في البيت الأبيض. لكن على الأرجح سوف تكون "أكلة" من نوع جديد، نتهيّب لنأكلها على شكل "قَتلَة"... من يدري؟

علّق برّاك على الطبخة فوق الطنجرة كما علّقت أم زهير على "اللَبْنات"...

وإذا لحق وراب؟... خود على لبن!