صالونات التجميل تُسعّر بالدولار... خدمات تتخطّى راتب الموظّف: "باي باي للترتيب"

كتبت ايسامار لطيف في النهار:

 

مَن مِن اللبنانيات لا يعتنين بشعرهنّ ومظهرهنّ الخارجيّ، وهنّ المعروفات بجمالهنّ وحبهنّ لإظهاره حتّى في الأيّام العادية؟ واليوم، بات الجمال حكراً على الطبقة الميسورة أو ذات المدخول بـ"الفريش"، لاسيّما بعدما اعتمدت معظم الصالونات نظام الدولرة في خطوة "لم تكن في الحسبان"، فباتت أسعار خدمات التجميل باهظة، ولا يمكن مثلاً القيام بمجموعة منها مرّة واحدة، وإلّا "طار المعاش". فقصّ الشعر وصبغه يكلّفان نحو 100 دولار، أي أكثر من الحدّ الأدنى للأجور، أمّا تقليم الأظافر والاعتناء بها فحدّث ولا حرج، إذ تخطّت الـ500 ألف في بعض الصالونات، هذا إن لم يتمّ تسعيرها بالدولار أيضاً!

 

بحثت نتالي يزبك عن صالون تزيين لصبغ شعرها قبل زفاف شقيقها، فهي "أخت العريس" ولا بدّ أن تظهر بأجمل صورة، قبل أن يأتيها الردّ "الصادم" من أحد الصالونات الشهيرة في لبنان، بأنّ التسعيرة أصبحت "بالدولار تماشياً مع الوضع العام"، وتقول الشابة في حديث لـ"النهار" إنّ "هذا شعري ولا أريد أن أتلفه ولا يسعني أن أدفع 100 دولار لأصبغه و40 دولاراً لأقصّه"، تروي نتالي (26 عاماً) التي تعمل في شركة تاكسي خاصّة مقابل 4 ملايين ليرة في الشهر، أنّها "بحثت كثيراً واتّصلت بصالونات التجميل في بيروت، ولم تجد من يتقاضى أقلّ من 100 دولار أو 700 ألف ليرة مقابل صبغ شعرها"، مشيرةً إلى أنّ "حجّة الحلّاق ارتفاع الدولار"، علماً أنّ القصّة تُكلّف 40 دولاراً، متسائلةً: "هل ارتفع سعر المقصّ مثلاً؟".

 

وتشرح الشابة أنّها "لم تجد سوى حلّ واحد، وهو الدخول إلى "يوتيوب"، والبحث في كيفية صبغ الشعر، من باب التوفير". وتقول: "اشتريت الصبغة بنحو 66 ألف ليرة، واستعنت بأمّي لمساعدتي، فأنا لا أعتمد الصبغات الملوّنة، وشعري سهل، الأمر الذي ساعدني، "وطلع اللون بيجنّن".

 

أمّا القصّ، فتُشير إلى أنّ "الوضع أصبح صعباً، ونحن نقوم ببعض الأمور بأنفسنا نتيجة الغلاء، لذا وجدت حلاّقاً في برج حمود لا يزال يَتّقي الله في تسعيرته، حيث كلّفني القصّ 25 ألفاً مقابل 40 دولاراً و60 دولاراً في أحد الصالونات في جلّ الديب".

 

"يا حلّاق اعملي غرّة... وما تغلّي عليّي بالمرّة"، تُمازح ليليان شاهين، التي اعتادت تسريح شعرها يومياً عند الحلّاق المجاور في الأشرفية، إلّا أنّها اضطرت إلى تغيير عادتها قصراً. "لوين وصلنا؟ إذا الشي الوحيد للي بخلّينا نتنفسّ ونموّه عن حالنا كنساء هوي إنّو نحسّ بأنوثتنا ونهتم فيها، وحتّى هالشي انحرمنا منّو"، تقول ليليان في حديثها لـ"النهار".

 

تُخبرنا السيّدة الأربعينيّة عن جولاتها على عدد من الصالونات التجميليّة، التي "تتعمّد سرقة الزبونة على عينك يا تاجر"، في حين أنّ اللبنانيات لا يُمكنهنّ الاستغناء عن هذه الخدمات التي تُعتبر أساسية في حياتهنّ. "طلب مني صالون شهير في الحازمية، 12 دولاراً مقابل تقليم أظافري وطلائها، أمّا صالون آخر في بيروت، قالت لي مالكته بثقة: 20 دولاراً مقابل الـ pedicure والـ manicure".

 

يُؤكّد سمير عازار، وهو صاحب مركز تجميل في المتن، أنّهم "رفعوا الأسعار على مراحل، تماشياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، وهذا ضدّ رغبتنا، حيث ارتفعت أسعار الصبغات علينا وبعض المواد مثل الشامبو والبلسم، ناهيك عن فاتورة الكهرباء والموتور وأجرة العاملين". كما يعتبر في حديث لـ"النهار" أنّ "هذا الارتفاع الذي تشكو منه السيّدات لا يساوي شيئاً مقابل الخسائر التي تتكبّدها صالونات التجميل وسط ركود سوق العمل منذ انتشار كورونا حتّى يومنا هذا، إذا أنّ حركة العمل تراجعت نحو 60 في المئة مقارنة مع الأعوام السابقة التي كنّا نلقّبها بالذهبية، حين كان البلد يعجّ بالسيّاح والخليجيين".

 

هذا ويلفت عازار إلى أنّ أسعار بعض الخدمات لديه أصبحت كالآتي: "تطريف الشعر 150 ألف ليرة، صبغة جذور الشعر 250 ألفاً، وصبغة شعر كامل ابتداءً من 500 ألف ليرة، بالياج ابتداءً من 100 دولار". "كان الصالون في السابق يعمل وفق تسعيرة واحدة لصبغة الشعر، أمّا الآن، ولعدم هدر المنتجات التي أصبحت ناراً، وضعنا تسعيرات مختلفة بناءً على طول الشعر ولونه، وباتت التسعيرة عالغرام"، وفقاً لحديثه.

 

"كانت الزبونات يأتين عدّة مرات بالأسبوع، أمّا الآن فلا يأتين بالوتيرة نفسها". ويقول: "الزبونة تدخل إلى الصالون لتغيّر من نفسيّتها والآن هي بحاجة إلى ذلك أكثر من السابق، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة، فكيف ستتمكّن السيّدة التي تتقاضى راتب 3 ملايين أو حتّى 4 ملايين من إنفاق الراتب بكامله على شكلها الخارجي، ما دامت لن تستطيع الخروج بعد ذلك للاستمتاع بين الناس؟".

 

بالموازاة، يُشير رالف عطالله لـ"النهار"، وهو صاحب صالون صغير في برج حمود، الى أنّ "المنتجات التي تُستخدم من صبغة والعناية بالشعر، أصبحت تسلّمها الشركات للصالونات بالدولار الذي وصل إلى أرقام خيالية. فيما، لا يمكن تسعير خدمات التجميل بالدولار ولا على سعر الدولار الحاليّ، فلن يأتي بذلك أحد إلى الصالون، ولذلك، أصبح من الصعب تحديد ميزانية المدفوعات والإيرادات".

 

في المقابل، يقول عطالله إنّ "هذا لا يعني تحديد تسعيرة خرافية واستغلال الموقف تحت حجّة الدولار، إذ معظم الصالونات اشترت بضاعتها على سعر صرف دولار منخفص  وبالتالي لم تتكبّد خسائر طائلة كما تدّعي، ونحن كصالونات تجميل نشتري بضاعتنا بأسعار الجملة، وأنا مثلاً لم أرفع من تسعيرتي كثيراً إذ لا أزال أتقاضى 150 ألفاً مقابل صبغ الشعر بالكامل، في حين تكلفني التسعيرة بـ75 ألفاً، أيّ لا أزال أربح ولكن ضمن المعقول، بشكل تخرج الزبونة راضية وأنا لا أخسر".

 

قطاعات لبنان تُنسف يومياً، من ارتفاع الأسعار في قطاع التلفونات، إلى الذلّ في قطاع المحروقات، إلى تراجع قدرة قطاع التجميل على تلبية حاجة النساء، فهل يكون الحلّ بالطرق البديلة أو بشراء أدات التزيين "الرخّوصة"، في ظلّ انعدام القدرة الشرائية لـ"البرندات"؟ وما انعكاس هذه الآفة على صحّة البشرة وفروة الرأس؟!