صحن الفول يفقد عزّه... وشعبيّته

كتب رمال جوني في نداء الوطن: 

حتّى صحن الفول لم يعد شعبياً، بات بـ4 دولارات. ما عاد «ترويقة الفقراء»، بل للميسورين حصراً. مع دولرته تراجع الإقبال عليه كثيراً. سابقاً، كانت حركة الفوّال لا تهدأ، بالكاد يتمكّن من تلبية طلبات الزبائن. تغيّر الحال اليوم، فبالكاد تشهد مطاعم الفول في منطقة النبطية حركة، بعضها أقفل عقب ارتفاع الكلفة التشغيلية من غاز وإيجار محل وخضار وحبوب وغيرها، حتّى ربطة الخبز لحقتها زوبعة الدولار. سرق جنون الدولار معه كلّ شيء، فسعر منقوشة الزعتر طار ووصل إلى 70 ألف ليرة، كثر استغنوا عنها كما عن صحن الحمّص أو المسبّحة.

على رغم كل الغلاء يحافظ الفوَّال علي زبيب على قدرٍ من شعبية صحن الفول، لم يتخطّ السعر لديه 120 ألف ليرة، أقلّه في المرحلة الحالية. يضع قبّعة بيضاء، ينزوي في زاوية المطعم، يعدّ صحن مسبّحة لزبون أتى على عجل، ينثر الزيت عليه قبل أن يضعه على طاولة يحيط بها المذياع وأسلحة العصر القديم. يقرّ أنّ صحن الفول تراجع كثيراً، صحيح أنّه حافظ على سعره الرخيص مقارنة مع باقي المطاعم، غير أنّه يؤكد أن هذا السعر لن يصمد كثيراً، «فمهنة الفوّال اليوم باتت في مهبّ العاصفة».

يحاول أن يصمد أكثر، يدفع من جيبه ليحافظ على حضوره، يرفض الاستسلام كما فعل زملاؤه في المهنة، يؤمن أنّ الأزمة ستنتهي «شدّة وبتزول»، رغم أنّها سرقت كل شيء معها.

يبتعد المعلم علي عن متابعة أخبار تدهور العملة، بات على قناعة أنّ لا شيء ينفع بعد اليوم. في العادة كان مطعمه لا يهدأ، يكتظّ بعشّاق صحن الفول الصباحي، تراجع العدد قليلاً، غير أنّه لم يختف كلّياً، كثر يقصدون المكان للاستراحة من تعب الحياة. الجلسة هنا مختلفة، فهي تأخذك إلى عصر ما قبل الانهيار، إلى زمن العشرينيات وربّما أقل، فالمقتنيات القديمة تعطي صحن الحمص نكهة بطعم التاريخ. المطعم تاريخي، يجمع كلّ تراث لبنان العتيق في مطعم صغير، يستحقّ أن يكون مقصداً سياحياً. مع ارتفاع الأسعار ما زال مقصداً، تهرب إليه الناس من زحمة الدولار القاسية، هنا لا مجال للتفكير بانهيار الليرة، فالمقتنيات العتيقة وحدها تؤكّد أنها على طريق العودة.

بات على قناعة أنها ستعود للخدمة قريباً، بعض الناس برأيه استغنوا عن الغاز، لجأوا إلى الحطب ما حتمّ عودتهم إلى الطناجر النحاسية، ولا يستبعد أن يعود المبيّض إلى الواجهة من جديد. صوت المذياع الذي يتهادى داخله يجعلك تنسى ما يحصل خارجاً، لا حضور لبورصة الدولار ولا لتهاوي العملة، حتّى الحديث عن انفجار اجتماعي حتمي على أبواب شهر رمضان لا يحضر.

خلف مهنته تقف هواية جمع التراث، شغفه بها دفعه ليلاحقها من بلدة إلى أخرى، لم يترك قطعة تفلت منه، سنوات طويلة مرّت، أكثر من 28 سنة أمضاها في جمع المقتنيات العتيقة، كلّفته ثروة كبيرة، استطاع أن يجمع أكثر من 20 ألف قطعة، أقدمها يعود إلى أكثر من 1500 سنة. حتّى هذه المقتنيات باتت تقلقه كما يقول «بعضهم يريد منّي أن أبيعها لمواجهة الأزمة»، ومع ذلك يؤكد «صحن الفول سيعود إلى عزّه، لن تطول الأزمة أكثر، سيعود إلى شعبيته ذات يوم». حوّل مطعمه مساحة للتراث، جعله منارة لتتعرّف أجيال اليوم على ما فاتها، يؤكّد أنّ «الحياة كانت بسيطة لكنّها هادئة»، والمضحك برأيه «أنّ ما كان تراثياً سيصبح في متناول اليد».