صدامات الجيش وحي الشراونة لا تنتهي: معركة على صيدلية

فيما دخل التّوتر الحدوديّ جنوب لبنان، يومه الثالث والأربعين، مُخلفًا سواد اللّبنانيين والمقيمين في لبنان في حالٍ من التّوجس والفزع والجمود العرضيّ بانتظار المستجدات المُتعلقة بتورط لبنان في حرب مع الجانب الإسرائيليّ؛ كانت بعلبك-الهرمل، وعلى سيرتها الدائمة، السّباقة في كسر هذا الشلّل العموميّ، وتحويل الرتابة والتّرقب، إلى مشهديّةٍ أمنيّة مُفزعة، تستعر وتتجدّد رغم محاولات الجيش اللّبنانيّ المستمرة لفرض قوته ونفوذه الشرعيّ على المحافظة -الخارجة تاريخيًّا عن القانون ودائرة اهتمام صنّاع القرار والمعنيين- وإرساء الأمن والانتظام العام فيها، بالرغم من حال الأهالي المترقبين والمتبرمين من واقع غياب خطط الطوارئ الرسميّة.

مداهمات في الشراونة- بعلبك
فمساء أمس السبت 18 تشرين الثاني الجاري، داهمت وحدة من الجيش تؤازرها دوريّة من مديريّة المخابرات، عدّة منازل لمطلوبين في حيّ الشراونة (أو كما يُطلق عليه محليًّا بحيّ الجعافرة، في الطرف الشماليّ الشرقيّ من مدينة بعلبك)، ولدى دخول الوحدة أزقة المنطقة، تعرّضت لإطلاق نارٍ من قبل العصابات المُسلّحة في الحيّ، من دون أي يُسجل أي إصابات في صفوف العسكريين، الذين ردوا بالمثل، مما أدّى إلى إصابة المطلوب "ح. جعفر"، لإقدامه على إطلاق النار باتجاه دوريات للجيش في عدّة تواريخ سابقة بواسطة أسلّحة حربيّة (مؤديّة لإصابة 3 عسكريين). وبمحصلة عملية الدهم، ضُبطت كميات من المخدرات والأسلحة والذخائر إضافةً إلى سيارة مسروقة.

وهذا الخبر الذي نشرته قيادة الجيش على صفحاتها في مواقع التّواصل الاجتماعيّ، تمّ تداوله بعد أن عاشت المدينة (التّي انهت توًا موسمها السّياحيّ على نكبة اقتصاديّة معطوفة على المستجدّات الأمنيّة جنوبًا) جوًا من التّوتر المنوط بحيثيات أقلّ ما يُقال عنها بالسّورياليّة.

ففي التّفاصيل التّي حصلت عليها "المدن" من مصادر ميدانيّة في الجيش اللّبنانيّ، تبين أن عملية الدهم قد جاءت بُعيد مراجعة إحدى السّيدات من آل جعفر القاطنين في الشراونة، صيدليّة "الأطباء" في الشروانة العائدة إلى الدكتور محمد اسماعيل للحصول على الأدويّة، مُصرةً على أن تأخذ الدواء بـ"الدَين" فيما تمنع الموظفون عن إعطائها إياه، بسبب سجل الدين المتراكم عليها. وسرعان ما قامت السّيدة بإخبار زوجها من آل جعفر الذي قام وعصابته وأقربائه من المُسلحين بإلقاء قذائف على الصيدليّة، مخلفين فيها أضراراً ماديّة جسيمة، واستهداف صيدليّة أُخرى (الصيدليّة الحديثة) تابعة للدكتور صبحي إسماعيل، مقابل مشفى الططري.

الخطة الأمنيّة
الأمر الذي دفع الجيش إلى المداهمة، التّي جاءت بعد شهرٍ تقريبًا على غياب المداهمات العلانيّة لحيّ الشروانة، والتّي كان آخرها بتاريخ 14 تشرين الأوّل الفائت، حين تمكنت وحدة من مديريّة المخابرات من الإطباق على "ع. أ." من التّابعية السّوريّة، على خلفية انتمائه إلى عصابة المطلوب "ح. جعفر"، ضابطة كميّة من المخدرات والأسلحة والذخائر الحربية والعملات المزوّرة، فيما أشارت مصادر "المدن" في مديريّة مخابرات الجيش، أن عمليتي الدهم مرتبطة ببعضهما البعض، ضمن المحاولات للإطباق على "ح. جعفر"، أحد أكبر الرؤوس الإجراميّة في الشروانة.

المداهمات الأمنيّة لا تتوقف وحسب على الشروانة. فقبل عدّة أيام داهمت وحدات من الجيش بلدة بريتال شرقي بعلبك، بغية إلقاء القبض على عدد من المطلوبين. وذكرت المصادر التّي تتابع معها "المدن" مستجدّات العمليات الأمنيّة ضمن الخطة الأمنيّة المنطلقة منذ حزيران السنة الماضيّة، أن هذه الوحدات تمكنت من إلقاء القبض على عدّة أشخاص ومصادرة ذخائر وأسلّحة حربيّة.

مخيمات اللاجئين والحدود الشماليّة الشرقيّة
هذا فيما استأنف الجيش مداهماته الفُجائيّة لمساكن ومخيمات اللاجئين في البقاع الشمالي والغربي وتحديدًا في قب إلياس ومنطقة المرج، آخرها كان بتاريخ 13 الشهر الجاري، ولم تُفض إلى توقيف أحد من سكان المخيم في المرج، بل أمرت رجال المخيم بالتّجمع في السّاحة العموميّة أمام المارين والسّابلة. فيما سبقها بأيام مداهمة أمنيّة في بلدة كامد اللوز- البقاع الغربي، برّ إلياس، قب إلياس (قضاء زحلة)، انتهت بترحيل العشرات من اللاجئين تنوعوا بين الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، وتركهم عند نقطة المصنع قبل نقطة تابعة لقوات الأسد، فيما تحدثت تقارير حقوقيّة عن إلقاء القبض على عددٍ منهم (أحدهم من المنشقين وآخر قاصر) في الداخل السّوريّ.

بينما اعتبر مصدر أمنيّ رفيع المستوى في مديريّة الجيش، أن عمليات "التسلّل" السّوريّ وتحديدًا عبر المعابر غير الشرعيّة وجرود البقاع الشماليّ لا تزال مستمرة حتّى حينه، بالرغم من التّوتر الأمنيّ اللّبنانيّ وخطر الحرب المُحدق.

وتؤكد المصادر التزام الجيش بمهمته في استكمال عملياته الأمنيّة والإطباق على الطفار والمجرمين ووقف سلسلة الجرائم المختلفة والمُتغاضى عنها، والمتدرجة من أبسط الجنح وصولًا لأخطر الجنايات وأفظعها، كخيار أساسيّ وجزء متأصل من الحلّول الجذريّة، لضبط الوضع المأزوم في البقاع.

وإذ تنبثق معضلة اقتراب الشغور في قيادة الجيش، وبظلّ الخلاف السّياسيّ حول التّمديد والتّعيين والتّجديد، والتأزم التّدريجيّ للوضع الأمنيّ في البقاع مُجدّدًا، يبدو السؤال مشروعًا: في حال الشغور، هل ستبقى نيّة الجيش في استكمال عملياته في البقاع على حالها، أم ستدخل هي الأخرى في درك التّعطيل والشلّل الرسميّ العام؟