المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الخميس 12 أيلول 2024 16:45:14
وبالتوازي، أكّد أمين سرّ الهيئة الوطنية للمحاربين القدامى، العسكري المتقاعد عماد عواضة، أن العسكريون يريدون "سياسة عادلة بين كل القطاعات. فلا يمكن إعطاء العسكريين المتقاعدين فتاتاً، فنحن لنا حقّ عند الدولة التي سُرِقَت ونُهِبَت". وبرأي عواضة، إن ما تقوم به الحكومة اليوم لا يرقَ لمستوى معالجة أزمة الرواتب "فبعض الموظفين في الخدمة الفعلية في بعض الإدارات تصل رواتبهم إلى نحو 1000 دولار شهرياً، في حين أن العسكري المتقاعد يقبض نحو 200 دولار ويطرحون اليوم علينا زيادة 50 دولاراً". وقال عواضة في حديث لـ"المدن" أنه وفق هذه السياسة "تبحث السلطة عن ضرب المؤسسة العسكرية، وتعطي صورة للعسكري في الخدمة الفعلية عمّا سيكون عليه مستقبله حين يتقاعد". وعلى أقلّ تقدير، ينتظر العسكريون المتقاعدون بحسب عواضة "إعطاء 40 بالمئة ممّا كانت عليه الرواتب قبل الأزمة، أو إعطاء 85 بالمئة ممّا يأخذه اليوم العسكريون والموظّفون في الخدمة الفعلية".
وعن الطريقة التي جرى فيها عقد جلسة الحكومة، علَّق عواضة بالقول إنه "كنّا على علم بتطيير الجلسة الأولى ولدينا معلومات بوجود لعبة لإنهاك العسكريين المتقاعدين". وأسِفَ عواضة إلى كَون الطريقة التي تتعامل بها السلطة مع مطالب العسكريين المتقاعدين، تعني أن السلطة "تريد تخريب البلد". ولفت النظر إلى وجود "مخطّط لحصول مواجهة بين العسكريين المتقاعدين والعسكريين في الخدمة أمام مبنى الحكومة ليصير هناك دم في الشارع، ولذلك كانت غايتنا دائماً هي عدم الاقتراب من مجلس الوزراء والاصطدام مع العسكريين، لكن الخيار يبقى دائماً لقطع الشارع ومنع الجلسات".
بين الاقتصاد والسياسة
اختلاف اللغة بين الحكومة والمتقاعدين يعكس جوهر الأزمة التي تنقسم بين مستوى ظاهري وآخر باطني، ويدل هذا الانقسام على البُعد الاقتصادي الاجتماعي للأزمة وبُعدها السياسي. ووفق ما يراه الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، خلال حديث لـ"المدن"، فإن "البُعد الاقتصادي الاجتماعي يتمثَّل بتدنّي رواتب الموظفين والمتقاعدين، والتي بالكاد تؤمّن الحد الأدنى من مقومات الحياة، سيّما أن المتقاعدين عملوا طوال حياتهم ليتقاعدوا بكرامة، واليوم مع الأزمة الاقتصادية، لم تعد الدولة قادرة على دفع ما يطمحون للحصول إليه. وبالتالي بتنا أمام معضلة حقيقية تتلخّص في أن الموظّفين يتوقّعون الحصول على رواتب معيّنة فيما الدولة عاجزة عن دفع تلك الرواتب. أما في العمق، فهناك البُعد السياسي الذي يتمثّل بالتوظيف السياسي العشوائي المرعب داخل القطاع العام، والذي يفوق بكثير حاجة القطاع".
وهذا التناقض يدلّ بحسب مارديني على أنه "لا يمكن إنصاف الموظفين والمتقاعدين بهذا الشكل الذي يُدار به القطاع العام". وبالتالي، فإن الحل يبدأ بـ"إعادة هيكلة القطاع العام على غرار الخطوة التي أخذها القطاع الخاص مع بداية الأزمة في العام 2019". ومن خلال إعادة الهيكلة يتخلّص القطاع العام من "الموظفين غير المنتجين، فيُتاح له بذلك زيادة الرواتب بصورة تعكس الإنتاجية الفعلية، وتستطيع الدولة بالتالي تحمُّل كلفة زيادة الرواتب بعد تخفيض عدد الموظفين". أما الإبقاء على الزيادات بصيغتها الحالية وتحت مسمّى تحفيز الإنتاجية فهو بنظر مارديني "تحفيز على عدم الإنتاجية، لأن الموظّف غير المنتِج يقبض كالموظّف المنتج، فيرى الثاني أنه يمكنه الحصول على المبلغ ذاته من دون عمل أو تعب".
لا تنظر الحكومة إلى حلّ مشكلة الرواتب من منظور الإنتاجية وإعادة هيكلة القطاع العام، وهذا ما يدعم استمرار الأزمة في ظل عدم نيّة السلطة السياسية إجراء الإصلاحات الحقيقية. ولذلك، فإن التحرّكات في الشارع ستتواصل، وستستمر معها "شيطنة" تلك التحرّكات طالما أنها تواجه الحكومة بشيء من العنف الذي وصفه ميقاتي بأنه "مشبوه".