صراع دولي على النفط: محروقات لبنان ملتهبة وشتاؤه قارس

عزَّزَ قرار منظمة أوبك+ خفض إنتاجها للنفط بمعدّل مليوني برميل، السجال حول أسعار الطاقة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، وتحديداً في دول القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر أن القرار موجّهاً ضدّها. لكن بعيداً من الخلفيات السياسية للقرار، إلاّ أنه من الناحية الاقتصادية رَفَعَ أسعار النفط من نحو 48 دولاراً إلى نحو 96 دولاراً للبرميل. وإن كان الارتفاع يحقّق أرباحاً لمنتجي النفط، إلاّ أنه يزيد الضغوط على الدول المستهلكة. أما لبنان، فلقطاع النفط فيه حكايات وخبايا يدفع ثمنها المواطن.

 

السوق الدولية

اشتدَّ الضغط على القارة الأوروبية بفعل ازدياد حدّة الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاسها على مسار توريد النفط والغاز. ومع الانقسام الدولي بين داعمي روسيا وداعمي الولايات المتحدة، تتباين وجهات النظر حول قرارات منظمة أوبك+، وتالياً النتائج المترتبة عن قراراتها. فمن جهة، ترى السعودية وروسيا أن القرار إيجابي ويجلب الاستقرار للأسعار وللسوق، ترى الولايات المتحدة أنه قرار "قصير النظر". وإثر القرار، قرَّرَ الرئيس الأمريكي جو بايدن، الإفراج عن 10 ملايين برميل من الاحتياطيات الاستراتيجية الأمريكية. على أن ما يراه بايدن، تنفيه السعودية، وتحصر هدفها خفض الانتاج، بمنع انخفاض السعر إلى نحو 60 دولاراً، الأمر الذي سيضرّ ميزانيّات دول المنظّمة.

في أوروبا، تظهر التأثيرات جلية على حياة الأوروبيين اليومية. وتسارع الحكومات للبحث عن مصادر بديلة للطاقة الروسية التي تعتمد أوروبا عليها بشكل رئيسي. وهذا البحث يزيد الضغط على كميات الغاز والفيول المتوفّرة في السوق العالمية.

 

شحّ الكميات

عملية البحث الأوروبية تقود الدول إلى مناطق حوض البحر المتوسّط ودول آسيا. وفي حوض البحر المتوسّط، تبرز الجزائر كمصدّر أساسي للنفط. وفي خضمّ البحث الأوروبي، تزداد عملية حصول لبنان على النفط، صعوبة. فالكميات المتوفّرة في منطقة الحوض، ستتّجه إلى أوروبا وتشحّ كمياتها. وإن كانت اوروبا قادرة على تخزين احتياجاتها، فإن لبنان غير قادر على وضع استراتيجية لإدارة الأزمة وتفادي شحّ الكميات وعودة الطوابير وارتفاع الأسعار محلياً وانتعاش السوق السوداء.

 

هذه النظرة السلبية، يتخوَّف منها عضو نقابة أصحاب المحروقات جورج البراكس. ووفق ما يقوله لـ"المدن"، فإن المستوردين اللبنانيين سيواجهون صعوبة في تأمين الكميات المطلوبة. ومع تحرّك أسعار النفط نحو 100 دولار للبرميل، تزداد المهمة صعوبة. وبرأيه، كان من المفترض للبنان التحضُّر مسبقاً لمثل هذه الأزمة.

 

وما يزيد الوضع تعقيداً هو حاجة اللبنانيين للمازوت شتاءً، وتحديداً في المناطق الجبلية حيث تستهلك التدفئة الجزء الأكبر من كميات المازوت في السوق. ومع تخطّي سعر طن المازوت الـ1000 دولار، يُترَك المواطنون للصدفة. فوزارة الطاقة مستقيلة من مهامها. فيما حزب الله قرَّرَ عدم خوض تجربة توزيع المازوت على نطاق واسع.

 

وبدل إيجاد حلول سريعة وسهلة، عَمَدَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى إصدار قرار يُلزم مستوردي المحروقات بالحصول على موافقة مسبقة، من خلال إلزام المصارف بالحصول على موافقة مسبقة لفتح حساب لاستيراد المحروقات. فقد طلب سلامة من المصارف التجارية، "أخذ موافقة مصرف لبنان المسبقة على فتح الاعتمادات أو دفع الفواتير المخصصة لاستيراد المشتقات النفطية (بنزين، مازوت، غاز) على أن يتم، لاحقاً، تزويد مديرية القطع والعمليات الخارجية لدى مصرف لبنان بالفاتورة النهائية ووثيقة الشحن ومحضر التفريغ". وإن كان القرار يرتبط بإجراء رقابة على حركة الدولارات الخارجة من لبنان تحت مظلة استيراد المحروقات، إلاّ ان تداعياته تصبّ في تعقيد عملية الاستيراد، وتعزيز شحّ الكميات في السوق.

 

في غمرة غياب الآليات المواكبة لمتغيّرات السوق العالمية وارتفاع الأسعار وشحّ المعروض، يتّجه السوق اللبناني نحو المجهول. وتترقَّب السوق السوداء أقرب فرصة لتزيد التهاب أسعار المحروقات وتُعزّز بَردَ الشتاء. ليُتَرجَم الصراع الدولي على كميات إنتاج النفط، صراعاً محلياً على تأمينه وضبط أسعاره.