صندوق النقد على خطّ معالجة أزمة الرواتب ضمن رقابة لصيقة للوضع المالي للدولة

بدت لافتةً مشاركة صندوق النقد الدولي في اجتماع رسميّ في وزارة الماليّة يتعلّق بمعالجة أزمة الرواتب في القطاع العامّ، في سابقةٍ لم نشهدها من قبل بما يؤشّر على نمطٍ جديد في مقاربة معالجة الشؤون المالية التي باتت اليوم تحت الرقابة الدولية في ظلّ طلب حكوميّ لمساعدة صندوق النقد الدولي في النهوض الاقتصادي والمالي وتسهيل الاتفاق معه على برنامج تمويل، يبلغ حوالى 3 مليارات دولار. 

يكمن «السبب الجوهري لأزمة الرواتب في تخمة الموظفين وحجم القطاع العام المتضخّم في لبنان. عدد كبير من الذين دخلوا إلى القطاع العام لم يكن نتيجة حاجة فعلية إلى خدماتهم، بل بفعل المحسوبيات الطائفية والخدمات الانتخابية، باعتبار أنّ جزءًا من الممارسة السياسية في لبنان يقوم على هذه الآلية. النتيجة أنّ الدولة والمواطن يدفعان ثمن هذه السياسة، من خلال رواتب تُصرف لأشخاص غير منتجين»، وفق ما يلفت الخبير الاقتصادي باتريك مارديني.

من هنا، يؤكّد مارديني لـ «نداء الوطن»، أنّ «أيّ عملية لإعادة هيكلة الاقتصاد في لبنان يجب أن تنطلق أوّلًا من إعادة النظر في حجم القطاع العامّ. وهذا الموضوع ينقسم إلى شقيْن:

الشقّ الأوّل يتعلّق بالرواتب التي تُدفع حاليًا، والتي لا بدّ أن تُربط بالإنتاجيّة. فإذا كان القطاع العام منتجًا ويُدخل إيرادات، يمكن تبرير إعطاء رواتب مجزية. أما إذا كان غير منتج، فلا يمكن الاستمرار بالوتيرة نفسها.

الشقّ الثاني يتصل بعدد الموظفين، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة جذرية، خصوصًا أن الحكومة اللبنانية تاريخيًّا عانت من عجز في الموازنة العامة، حيث كانت النفقات تتخطى الإيرادات. هذا العجز موِّل في السابق من أموال المودعين بطرق ملتوية، ما جعل خسائر المودعين مرتبطة مباشرة بعجز الموازنة».

لبنان غير قادر

كما يوضح أنّ «لبنان لم يعد قادرًا اليوم على تمويل أي عجز جديد، وذلك لأنّ أموال المودعين استُنزفت، كما أنّ الأسواق الدولية ترفض الإقراض بعد تخلّف لبنان عن سداد سندات اليوروبوند، والتمويل عبر المصرف المركزي يعني إما طباعة ليرة إضافية تؤدي إلى تضخم وانهيار سعر الصرف، أو استنزاف ما تبقّى من احتياطيات العملات الأجنبية، وهو ما يهدّد الاستقرار النقدي والمالي في البلد».

لذلك، يُشدّد مارديني على أنّه «لم يعد في إمكان الدولة زيادة رواتب القطاع العام إلّا إذا ترافقت مع خفض أعداد الموظفين غير المنتجين. على سبيل المثال، في المدارس الرسمية يُلاحظ أن عدد الأساتذة والإداريين قياسًا بعدد التلامذة يفوق بكثير نظيره في المدارس الخاصة، رغم أن المستوى التربوي لا يبدو أفضل، بدليل أن نصف الأهالي تقريبًا يفضلون إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة رغم الكلفة، بدلًا من المدارس الرسمية المجانية. هذا يثبت أن التضخّم في عدد الأساتذة لا يُترجم نوعية أفضل. والأمر نفسه ينطبق على الإدارات العامة حيث نجد عشرات الموظفين، فيما الإنتاجية تقتصر على قلّة قليلة».

ويرى أنّ «معالجة هذا التضخم ضرورة قصوى. والوفر الذي يتحقق من خلال الاستغناء عن الموظفين غير المنتجين يمكن أن يُعاد توجيهه لدعم وتحفيز الموظفين المنتجين، ما يحسّن أداء القطاع العام ويخفّف الضغط عن المالية العامة. هذه المقاربة، هي الأكثر واقعية وإنصافًا».

لماذا يهتمّ صندوق النقد؟

ووفق ذلك، يختم مارديني: «بما أنّ لبنان يسعى جاهدًا لإنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فالأخير يهمّه أن يكون على اطّلاع على كافة التفاصيل هذه لا سيّما أن زيادات الرواتب والأجور من المفترض أن تحصل في الموازنة العامة فهي جزء لا يتجزّأ منها، وعلى الدولة اللبنانيّة أن تُقرّر أين ستصرف أموالها، هل تودّ صرفها على موظفين غير منتجين أم على الأسلاك العسكريّة والأمنيّة والتي هي أولويّة اليوم، أم على مشاريع استثماريّة، أم أنها تريد أن تُخفّف مصاريفها لكي تتمكّن من تحقيق وفر من أجل سداد ديونها وأموال المودعين، وجميع الخيارات هذه استراتيجيّة يتمّ اتخاذها في موازنة 2026».