كتب المحامي انطوان القاصوف:
يَروي الكبير، في زَمنِ الكِبار، الشّيخ بهيج تقي الدّين، أنّه ذهبَ مرّةً الى الكويت للدِّفاع عن لُبنانيّ، أُحيلَ الى محكمةِ الجِنايات بتُهمةِ مُحاولة رَشوة ضابطٍ في الجيش .
قبلَ الجلسة ، زارَ أميرَ الكويت الشيخ عبدالله الصّباح، الذي سألَه عن سببِ زيارةِ الكويت، فأجابَه: إنّني قادمٌ للدّفاع عن لُبنانيّ، إلتزمَ بناءَ ثكنةٍ للجّيش ، وشاءَ أن يقومَ "بِبادرةٍ " نحو الضّابط المُشرف على حساباتِ الإلتزام ، فقدّم لهُ "هديّة " خمسُماية دينار، فما كانَ مِن الضّابط إلاّ أن وَضَع مٕحضراً ربطَ به المَبلغ ، مُوضحاً أنّ اللُّبناني حاولَ أن يَرشيه ...
سألَهُ الأمير : وما هو إعتقادُك انت ؟
أجابَه : إنّ في الأمرِ مُحاولةَ رَشوة !
قالَ الأميرُ : كيفَ يُطاوعُك ضميرُك على أن تقول لِلمحكمةِ بأنّها " هديّة " فيما أنتٕ مُقتَنع بأنّها " رَشوة " ؟؟!!
أجابَ الشّيخ بهيج : " إنّني، يا طويلَ العُمر ، أشتغِلُ بضميرِ مُوكّلي لا بِضٕميري ..."!!!!
وقياساً ، بأيّ ضميرٍ "يَشتغلُ" المَسؤولُ في بلادِنا ؟
هل "يشتغلُ" رئيسُ الجُمهوريّة ( بعدَ الفراغِ الذي باتَ تَقليداً ) بِضميرِ الوَطن أمْ بضميرِهِ ؟
هل "يشتغلُ" النائبُ المُنتخبُ بضميرِ النّاخبِ أمْ بضميرِهِ ؟
هل "يشتغلُ" الوزيرُ المُكلّفُ بضميرِ المُواطن أمْ بضميرِهِ ؟
هل "يشتغلُ" القاضي بضميرِ العدالةِ أم بضميرِه ِ؟
بينَ ضميرِ الرّئيس وضميرِ الوَطن ، بينَ ضميرِ النّائبِ وضميرِ النّاخِب ، بين ضميرِ الوَزير وضميرِ المُواطن، بين ضميرِ القاضي وضميرِ العدالة ، يُقاس الضّميرُ النَّزيهُ والضّمير المُذنب ليقولَ الله للجميع :
" الضّميرُ الحيّ وِسادةٌ ناعمة ..." !!
كانَ عِندنا قَادةّ كِبار، رِجالُ دَولة ، حيثُ يَذهبون ، كان التّاريخُ يَذهب .. ! فصارَ عندنا رجالُ سُلطَة، حيثُ يذهَبون، الجُغرافية تَذهب ...!
هؤلاء المُتسلّلون ، جاءوا الى السُّلطة مِن فَراغ ، و"اشتغَلوا" بضمائِرِهم، لا بضمائرِ الشّعب ... فماذا لمْ يٕفعلوا ؟؟!!
- تَخلوّا عن "قرار" الدّولة، عنوانُ سيادتِها ، الى "مَصلحة" الدُّويلة ، عنوان تَسَلُّطِها !
- حَوّلوا النّقدَ الوَطني كأوراقِ الخَريف !
- سَطوا على الودائعِ مِن مَصارف النَّهب !
- أفلَسوا الدّولة ، فتحوّلت مِن العَيش الى الإعاشَة ، وانتقَلوا بالمُواطن مِن الجُّوع الى المَجاعة !
- حَطّموا كلّ الأرقامِ القِياسيّة في "سِباق" الفَساد والزّلع والبَلع !
- صاروا - هُم - الدّاء ، وباتَ المَريضُ مِن دونِ دَواء ولا إسْتِشفاء ولا شِفاء !
- لأنّ العلمَ في ثَقافَتهم "نورن" مَنحوا الطُّلاب كلّ التّسهيلات في الإفادات والشّهادات !
- أغرَقوا البِلادَ لاجِئين ونازِحين وشُذاذَ آفاق !
- شرّعوا أبواب َوشبابيكَ الوطنِ لكلِّ رِيح !
- فجّروا مَرفأ العاصِمة فتَحوَّلت " بيروت الى بيروتشيما "ومع ذلك يَعتبرون الجَريمة "حادثاً مُؤسفاً " ويُحاولون دَفن الحَقيقة في مَقبرةِ الجَريمة !
- إعتبَروا ضَحايا الجَرائمِ أمواتاً، والموتُ بِنَظَرِهِم حقّ وواجب !
- كُلّما ظَهرت الحَقيقة يَحجُبون الحَق مُتجاهِلين بأنّ نصفَ العدالةِ أصعب مِن الظُّلم !
- في "غابتهِم" تَبقى الجرائِمُ بِلا مُجرِمين ويَبقى الفَساد بِلا فٕاسدين !
- جَعلوا الأمنَ مُباحاً والقتلَ مُتاحاً والقضاءَ مُكبّلاً !
- خَضعوا أذلّاء ، نَفّذوا جُبناء، سَكَتوا خُبثاء وزَحَفوا ضُعَفاء أمامَ أولئك الذين انتحَلوا الّله إسماً، واضّطهدوا الناسَ ظُلماً ، وصادَروا القرارَ غَصباً ، وزعَموا التّحريرَ تَكليفاً ، "تَكْتيكُهم "شَيء وكذلك كلامُهم ، و"إستراتيجيّتُهم" شيءّ آخَر وكذلكَ حقيقتُهم ..!
في عَهْدِهم وعِهدَتِهم ، أصبحَت السُّلطة التَّشريعية قاصِرة، والتّنفيذيّة مُقصِّرَة ، والقَضائيّة مَكْفُوفَة ؟!
معَ هذه "الأوُركسترا "، كُلّهُم عَزَفوا لحناً جَنائِزيّاً واحِداً " تَكريماً " لِمَوتِ المُواطِن وخَرابِ الوَطَن !
في المَبدأ ، نحنُ تَغيّرْنا كثيراً ، إمّا لأنّنا تَعَلَّمْنا كَثيراً وإمّا لأنّنا تأذّينا كثيراً ، فماذا نَنْتَظر ؟ وأينَ القائدُ المُنتظَر ؟
إنّ القائدَ المُنقذ، هو "صوتُ ضَميرِ " الأمّة الحيّ والشّعبُ الحُر هو "سَوط التَمرّد" ، فعَلى الضّمير وعلى السّوط أن يُذَكِّرا دائماً المَسؤولين بأنّ " التّاج والحِذاء " كِلاهُما يُلبَس .. ولأنّ الأمرَ باتَ يَتعلّقُ بالكَرامة ، فَعَلَينا أن نُسقِطَهُم مِن حَيث رَفَعْناهُم ..؟!
أيّها القائدُ المُنتَظر، أيّها الشّعبُ الحُّر ،
إنّ الصمتَ وقتَ الظُّلمِ مَذَلّة وعُبوديّة، وَحدَهُ التّمرّد يُعيدُ لنا الحَياة، يُعيدُ لنا الحُريّة ولاحقاً تأتي الديمقراطيّة القادِرة على القَضاء على الظُّلم وتَحقيقِ العَدالة ، خَوفاً مِنْ أنْ يَصُحَّ فينا قَولُ الأديبِ الفَرنسي جان جاك روسو : " القُوّة صَنعَت العٕبيد الأوّلين ، والجُبْنُ أدامَهُم "؟!