صورة ضبابية ومتضاربة غداة زيارة برّاك… إسرائيل تطلق تحرّكات ميدانية في الجنوب

بدت صورة المشهد اللبناني غداة زيارة مثيرة للجدل قام بها الموفد الأميركي توم برّاك إلى لبنان وتسلّم خلالها الردّ اللبناني الرسمي على ورقة اتجاهات أميركية حيال لبنان لم يكشف مضمونه بعد، مشوبة بكثير من الضبابية وسط انتظار عودة برّاك بالرد على الردّ في غضون أسبوعين.

وإذ تردّد أن الموفد الأميركي الذي ظهر أمس في دمشق راعياً محادثات بارزة جداً بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديموقراطية" مظلوم عبدي، سيعود إلى بيروت في 21 تموز الجاري في زيارته الثالثة منذ تكليفه ملف لبنان موقتاً حتى نهاية السنة، توزّعت صورة المواقف الأساسية من نتائج لقاءاته الأخيرة بين ترحيب مضمر من جانب الرؤساء الثلاثة جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام، وترقّب حذر من جانب القوى والاتجاهات المؤيدة بشدة لنزع سلاح "حزب الله"، وتوظيف واضح من جانب "حزب الله" لعامل الوقت والإيحاء بامتلاك القدرة على التاثير في المفاوضات التي ستستكمل بين أركان السلطة اللبنانية والموفد الأميركي.

غير أن الجانب الخارج عن المشهد اللبناني والمتصل بإسرائيل بدأ يتكشف بعد مغادرة براك عن مزيد من الخطوات المثيرة للمخاوف مع تعميق عملياتها الميدانية على الأرض اللبنانية، بما عزّز الخشية من بعض دلالات التصريحات التي أطلقها برّاك من بيروت والتي لمّح فيها إلى خطورة أن يبقى لبنان تحت سطوة العمليات الإسرائيلية ما لم يقم بما يمليه عليه هذا الواقع.

وتعمّدت إسرائيل الإعلان أمس، عن إطلاق عملية برية محدودة في جنوب لبنان، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي، أن "قوات الفرقة 91 تواصل مهمتها على طول الحدود اللبنانية، بهدف حماية الإسرائيليين والقضاء على أي تهديد، وتعمل القوات على تفكيك البنية التحتية لحزب الله في جنوب لبنان، بتوجيه من فوج الإطفاء التابع للفرقة".

وأضاف، "بناءً على معلومات استخباراتية وتحديد أسلحة وبنى تحتية تابعة لحزب الله في مناطق عدة بجنوب لبنان، شنّ الجنود عمليات خاصة ومحددة لتفكيكها ومنع حزب الله من إعادة تمركزه في المنطقة".

ولفت إلى أنّه "في إحدى العمليات في منطقة جبل البلاط، عثرت قوات من اللواء 300 على مجمع يحتوي على مستودعات أسلحة ومواقع إطلاق نار تابعة لحزب الله، وقام جنود الاحتياط بتفكيك البنية التحتية. وفي عملية أخرى عثر جنود احتياط من اللواء التاسع على أسلحة مُخبأة في منطقة كثيفة في منطقة اللبونة، بما في ذلك قاذفة متعددة الفوهات، ومدفع رشاش ثقيل، وعشرات العبوات الناسفة"، لافتاً إلى أنّ "القوات صادرت وفكّكت المعدات والأسلحة العسكرية التي كانت موجودة في المنطقة". وأضاف: "عُثر على مبنى تحت الأرض يُستخدم لتخزين الأسلحة، وتم تفكيك البنية التحتية له في عملية هندسية نفذتها قوات اللواء"، معلناً أنّه "يواصل عملياته للقضاء على التهديدات الموجهة ضد إسرائيل ومنع محاولات حزب الله لترسيخ وجوده، وفقاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان".

ولم تكن هذه الأجواء بعيدة عن المحادثات التي أجراها أمس رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في زيارته الرسمية لقبرص التي أتت تلبية لدعوة من نظيره القبرصي نيكوس خريسودوليدس، والتي أكدت في نتائجها الرسمية "ترسيخ العلاقات القائمة بين البلدين وتعزيزها على كل الصعد"، وشملت محادثات تناولت كيفية مواجهة التحديات والمشاكل التي تعترض المنطقة ككل.

وأكد الرئيس عون لنظيره القبرصي، أن "لبنان يتطلع إلى قبرص كونها البلد الذي لطالما كان الداعم له وسيبقى". وقال: "تحوّلنا معاً مستقراً لكل من يسعى إلى السلام والحرية، وهذا هو أكثر ما يجمعنا اليوم وأعمقُ ما نريده لبلدينا وشعبينا ومنطقتنا والعالم. السلام العادل، عبر الحوار، لتبادل كل الحقوق، والحرية المسؤولة، الحاضنة لكل ازدهار وإبداع، وتطور لحياة البشر وخيرهم".

وبدوره، أكد الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، "أن رخاء لبنان واستقراره هما ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لقبرص والاتحاد الأوروبي". وحيا الجهود التي يقوم بها الرئيس عون "للتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 1701، وأيضاً اتفاق وقف الأعمال العدائية بتاريخ 27 تشرين الثاني 2024، وشدّد على "أن لبنان الذي يتمتع بالإستقرار والسلام والقوة، من الممكن أن يقود منطقة شرق المتوسط كي تكون أقوى وأكثر سلاماً. وكشف أن الدعم المادي الذي أقرته المفوضية الأوروبية للبنان، بقيمة مليار يورو، بات اليوم في المرحلة الأخيرة لإتاحته، من أجل دعم قطاعات عدة فيه".

اما التطور الايجابي الذي برز أمس بعيداً من الملف اللبناني- الإسرائيلي، فتمثل في ما كشفته وكالة رويترز، من أن آلاف اللاجئين السوريين في لبنان يستعدون للعودة إلى ديارهم هذا الأسبوع بموجب أول خطة مدعومة من الأمم المتحدة تقدم حوافز مالية، بعد أن أبدى حكام سوريا الجدد ترحيبهم بعودة جميع المواطنين إلى بلدهم رغم الأضرار الكبيرة التي خلّفتها الحرب والمخاوف الأمنية.
وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية في لبنان حنين السيد، إن السوريين العائدين سيحصلون على 100 دولار لكل منهم في لبنان و400 دولار لكل أسرة عند الوصول إلى سوريا. وأضافت أن الخطة تغطي النقل وأن سلطات الحدود قررت إعفاءهم من الرسوم.

وقالت لرويترز: "أعتقد أنها بداية جيدة ومهمة. أجرينا مناقشات وننسّق هذا الأمر مع نظرائنا السوريين، وأعتقد أن الأعداد سترتفع في الأسابيع المقبلة".

ولم يرد متحدث باسم وزارة الداخلية السورية على طلب للتعليق. ويوجد في لبنان أكبر تجمع للاجئين في العالم مقارنة بعدد السكان، إذ يستضيف نحو 1.5 مليون سوري بين نحو أربعة ملايين لبناني.

وقالت الوزيرة، إن نحو 11 ألفاً سجلوا أسماءهم للعودة من لبنان في الأسبوع الأول، وإن الحكومة تستهدف بموجب هذه الخطة أن يتراوح عدد العائدين بين 200 و400 ألف هذا العام. وأضافت أن الحكومة اللبنانية تركز على المخيمات غير الرسمية في لبنان حيث يعيش نحو 200 ألف لاجئ، وربما تمنح الأشخاص الذين يعيلون أسرهم ويبقون في لبنان تصاريح عمل في قطاعات مثل الزراعة والبناء إذا عادت أسرهم إلى سوريا.

وتقول الحكومة السورية الجديدة التي يقودها إسلاميون منذ توليها السلطة، إن جميع السوريين مرحب بعودتهم إلى ديارهم. وأظهر استطلاع أجرته الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام أن ما يقرب من 30 في المئة من اللاجئين الذين يعيشون في دول الشرق الأوسط يرغبون في العودة بعد أن كانت النسبة اثنين في المئة عندما كان الأسد في السلطة.

وقال إيفو فريسن، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، لرويترز: "بينما يستمر تطور الموقف بسرعة في سوريا، فإن المفوضية تعتبر الوضع الراهن فرصة إيجابية لعودة أعداد أكبر من اللاجئين السوريين إلى ديارهم، أو البدء في التفكير في العودة بطريقة واقعية ومستمرة".

وأضاف فريسن: "عبّر عدد من اللاجئين عن رغبتهم في العودة إلى بلادهم، لكنهم ما زالوا مترددين بسبب غموض الأوضاع على المدى القصير والطويل في سوريا".

والأمن هو مصدر القلق الرئيسي. ورغم عودة اللاجئين خلال العام الجاري، وصل أكثر من 106 آلاف سوري إلى لبنان، كثير منهم من الأقلية العلوية في البلاد هرباً من العنف في المناطق الساحلية.