المصدر: النهار
الكاتب: جاد فياض
الاثنين 30 كانون الاول 2024 07:03:55
دخلت سوريا المرحلتين الأصعب بعد سقوط نظام بشّار الأسد، وهما المرحلة الانتقالية والمرحلة التأسيسية لصياغة حياة سياسية ودستورية تحدّد الوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة، وتترجم التبدلات التي حصلت وتحصل داخل النسيج السوري. وتكاد خطورة المرحلتين ترقى إلى مستوى أهميتهما كون الانتظام قد تتخلّله فوضى.
وإذا كانت المرحلة الانتقالية قد سلكت طريقها مبدئياً، فإن الحديث عن المرحلة التأسيسية بدأ يتعمّق أكثر ويتطرّق نحو تفاصيل وإن كانت لا تزال بمعظمها عمومية. وفي آخر تصريحاته، تحدّث القائد العام للقيادة السورية الجديدة أحمد الشرع عن عملية كتابة دستور جديد قد تستغرق نحو 3 سنوات، وتنظيم انتخابات قد يتطلب أيضاً 4 سنوات.
لن تكون العملية التأسيسية سريعة، خصوصاً أن الشرع ومعه تجمعات وائتلافات المعارضة يريدون سمة الاستدامة، وفي هذا السياق، يتوقع مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو اللجنة الوطنية التحضيرية للعدالة الانتقالية في سوريا رضوان زيادة "مرحلة طويلة مدّتها محكومة بالتحولات الاجتماعية"، لكنه يقدّر في حديث لـ"النهار" أن فترة سنتين هي المدّة الأفضل.
طول الفترة مردّه خطوات جذرية كثيرة واجب الشروع فيها، تحدّث عن بعضها الشرع، كمؤتمر الحوار الوطني وإجراء إحصاء سكّاني شامل لإجراء الانتخابات، يضيف إليها زيادة "انبثاق هيئة حكم انتقالية عن المؤتمر تكون بمثابة هيئة تشريعية موقتة يتم تعيين أعضائها، إعلان دستور موقت، الدعوة لتشكيل حكومة انتقالية، والدعوة لصياغة دستور جديد وإجراء الانتخابات".
في هذا السياق، فإن ثمّة سؤالاً يُطرح بشأن آليات الحكم الحالية حتى كتابة الدستور الجديد، وثمّة اقتراحات توصي بالعودة لاعتماد دستور عام 1950، وهي فكرة يؤيّدها زيادة كون هذا الدستور كتبته جمعية تأسيسية واعتُمد 3 مرّات سابقاً، لكنه يُشدّد على "وجوب أن يقوم الإعلان الدستوري على أساس الشرعية الثورية التي أسقطت الأسد".
فترة المرحلة الانتقالية لا تزال مبهمة، لكن هوية الحكم بدأت تتضح معالمها، والترجيحات تشير إلى أن الشرع ومعه القيادة السياسية والعسكرية الحالية مستمرون في تسيير شؤون البلاد، وقد اكتسبوا شرعيتهم من العملية العسكرية التي أطاحت نظام بشّار الأسد من جهة، وبالقبول الشعبي النسبي الواسع، كون سوريا لا تشهد تظاهرات أو تحرّكات سياسية رافضة لحكم الشرع حتى الحين.
سُئل الشرع عن توليه مقاليد الحكم، ولم ينف تعيينات "اللون الواحد"، واعتبرها "من ضرورات المرحلة وليست إقصاءً لأحد"، لأن "المحاصصة في هذه الفترة كانت ستدمر العملية الانتقالية"، ويوافق زيادة على هذا المبدأ كون "نظام الأسد شهد انحلالاً تاماً وسوريا تواجه تحديات أمنية واسعة"، وبالتالي فإن العمل جارٍ على تفادي الانقسامات والاقتتال الداخلي وصولاً إلى الحروب الأهلية.
ضمان استدامة آليات الحكم الجديد يحتاج إلى كتابة دستور مناسب للواقع السوري الجديد، وفي هذا الإطار، يتحدّث زيادة عن طريقتين لإنجاز الاستحقاق، الأولى هي عبر جمعية تأسيسية منتخبة، والثانية عبر لجنة دستورية معيّنة غير منتخبة والتوجه بعدها لاستفتاء شعبي، مبدياً تفضيله لأن تتشكّل الهيئة من سياسيين لا تكنوقراط فقط لضمان دستور يعكس التوازنات السياسية.
وفق الجدول الزمني الذي تحدّث عنه الشرع، فإن الانتخابات قد تكون آخر الاستحقاقات، وبرأيه، "أي انتخابات سليمة ستحتاج إلى القيام بإحصاء سكاني شامل"، ما يتطلب وقتاً. زيادة يقول إن وجهة النظر هذه "فيها الكثير من الصحة" بسبب ظروف سوريا، ويقول إنه يمكن تأسيس هيئة مستقلة عليا للانتخابات تعمل خلال المرحلة الانتقالية لتأمين موارد الاستحقاق الانتخابي.
في المحصّلة، فإن سوريا أمام مرحلة زمنية سياسية دقيقة جداً وحساسة، وأي خطوات غير محسوبة من قبل أطراف الحكم أو حتى أطراف المعارضة الأخرى التي لم تنخرط في العملية الانتقالية قد تعيد إلى سوريا شبح الاقتتال الداخلي، وبالتالي العين ستنصبّ على كيفية تعاطي الشرع مع هذه المرحلة والمجتمع السوري بكل ألوانه.