المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
الاثنين 22 أيلول 2025 16:21:33
نجت مدينة صيدا من كارثة كادت تودي بحياة طلاب الصف التاسع في مدرسة الفنون الانجيلية الوطنية، كان من شأنها إعادة التذكير بكارثة سقوط سقف ثانوية القبة الرسمية في طرابلس منذ ثلاث سنوات، التي راح ضحيتها الطالبة ماغي محمود حينها.
ما جنب صيدا هذه الكارثة اليوم أن سقف الصف التاسع (الشعبة سين) انهار قبل وصول الطلاب إلى المدرسة. والأسوأ أن إدارة المدرسة أجرت الصيانة قبل بدء العام الدراسي وارتاد الطلاب الصف لبضعة أيام. لكن ما حصل أن الطلاب تفاجأوا أن سقف صفهم سقط كله قبل وصولهم إلى الصف.
في التفاصيل تعود بعض مباني المدرسة الإنجيلية في صيدا إلى سنة 1862 عندما بدأت الإرساليات الدينية ببناء المدارس في لبنان. لكن المبنى الذي شهد انهيار سقفه ليس من ضمن المبناني القديم. ورغم ذلك هو بحاجة إلى صيانة دورية نظراً لقدمه بكل الأحوال.
صيانة عادية وطلاء جدران
مديرة المدرسة ألين جبران فضلت عدم التصريح للإعلام واكتفت بالقول لـ"المدن" أنها ستصدر بياناً يوضح الملابسات. ثم صدر البيان وكان عاماً لا يحدد المسؤوليات. وأبرز ما جاء فيه أنه خلال عطلة نهاية الأسبوع سقطت طبقة خارجية من سقف أحد الصفوف وجرى تجهيز مكان بديل لنقل الطلاب إليه. وجرى الكشف صباح اليوم على الصف من رئيس لجنة الأهل المهندس ربيع خليفة بحضور مندوب عن وزارة التربية، وطلبت الإدارة من مهندسين من السينودس الانجيلي ومن بلدية صيدا الكشف على المكان.
رئيس لجنة الأهل ربيع خليفة أكد لـ"المدن" أن "الإدارة أجرت صيانة دورية عادية للمدرسة هذا العام، اقتصرت على طلاء الجدران وجلي البلاط وإصلاح الأبواب والمقاعد وتركيب مراوح هواء".
وأضاف أنه من "خلال خبرته كدكتور مهندس تبيّن له بعد الكشف وجود مشكلة قديمة في سقف المبنى عندما جرى تشييده. وتتمثل في الخلل في "أحجار الهورديه"، التي سقطت الطبقة السفلية منها. لكن الحمد لله حصلت الحادثة في الصباح الباكر قبل مجيء الطلاب إلى المدرسة. وقد جرى افتتاح صفوف جديدة للطلاب. وطالبنا تشكيل لجنة تحقيق فنية للكشف على المباني كلها".
ودافع خليفة عن إدارة المدرسة بأنها "لا تبخل على صيانة المبنى"، مضيفاً أن "هذه الأمور تحصل عادة. فالمبنى قديم ولم يكن الخلل ظاهراً. والأشخاص العاديون الذين يجرون الصيانة لا يدركون نوعية الخلل فمثل هذه الأمور بحاجة لمتخصصين".
وعن حجم المبالغ المرصودة في الموازنة المدرسية للصيانة وإذا كانت تكفي لإجراء ترميم لا سيما أن المبنى قديم، فيما إدارات المدارس تكتفي بتسجيل موازنة الليرة اللبنانية في وزارة التربية، أكد خليفة أن الموازنة تتضمن بنداً للصيانة لكنه بحاجة لمراجعتها لتحديد الرقم.
وبحسب معلومات "المدن" سارع الأهالي إلى الاستفسار عن الأمر عندما سمعوا بالخبر صباح اليوم. وتواصل بعضهم مع الإدارة وكان الجواب الذي نقلوه على مجموعة الواتساب الخاص بأولياء الأمور، أن المدرسة أجرت صيانة للصف وتفاجأت مثلهم بسقوط السقف. وقالت لهم إنها ستتابع مع المتعهد الذي أجرى الصيانة للاستفسار عن السبب ولماذا لم يبلغهم بخطورة السقف.
إدارة المدرسة مسؤولة
الحادثة تعيد إلى الأذهان سقوط سقف ثانوية القبة في طرابلس، مع فارق بسيط هو أن ثانوية طرابلس كانت رسمية وهي عبارة عن مبنى قديم مستأجر، فيما الانجيلية مدرسة خاصة. وتبين أن مالك المبنى في طرابلس رممه من دون أي إشراف لا من وزارة التربية ولا من المديرية العامة للآثار (موضوع على لائحة الجرد). وكان الأمر بمثابة فضيحة كبرى ولا تزال القضية أمام القضاء من دون حقيقة ولا عدالة، ولا أحد يعرف متى تنتهي المحاكمات. الفرق في حادثة اليوم أن مبنى الانجيلية خاص، وتتلقى المدارس الخاصة آلاف الدولارات من الأهالي بحجة الصيانة والترميم والتطوير، وقد رفعت الانجيلية أقساطها لهذا العام بنحو 500 دولار، بعد زيادة مماثلة العام المنصرم، هذا غير الزيادات على الاقساط بالليرة اللبنانية.
الإشكالية الفعلية التي تفتحها قضية سقوط سقف الانجيلية هي أن الموازنة المدرسية التي تسجل في وزارة التربية تقتصر على القسط بالليرة اللبنانية. وهذه الموازنة لا تعبر عن الموازنة الفعلية، لأن الأقساط المدرسية الأساسية بالدولار ولا تدرج ضمن الموازنة بل تذهب إلى صندوق خاص. وفي هذا الإطار أكدت رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور، لما الطويل، أن إدارة المدرسة المسؤولة قبل غيرها عن الصيانة طالما أن هناك بنداً في الموازنة مخصصاً للغاية.
الطويل أسفت لما حصل وقالت: "نحمد الله أنه أنقذ صيدا من كارثة، لكن السؤال يبقى لماذا علينا أن ننتظر سقوط الدماء حتى نتحرك؟ أتفهم جيداً أنه لا قدرة لوزارة التربية للكشف على جميع المدارس قبل بداية كل عام دراسي، وهذه من واجبات إدارة المدرسة ولجنة الأهل والبلدية المعنية. لكن يبقى أن إدارة المدرسة هي المسؤولية قبل غيرها لأن الموازنة تتضمن بند صيانة وترميم وتطوير.
وأضافت الطويل، عندما نطالب بتوضيحات عن سبب تضخيم مبالغ بند الصيانة والتطوير، في وقت لا تجرى الصيانة المطلوبة، ندرك جيداً ماذا نقصد بالموضوع. ما حصل اليوم يثبت أنه لو كان هناك صيانة لما حصل الذي حصل. في لبنان العديد من المباني القديمة تستخدم للمدارس سواء خاصة أو رسمية، وهناك دور أساسي لوزارة التربية وللبلديات للكشف على هذه المباني والتأكد منها، لأن أرواح الطلاب ليست للعب.
ولفتت الطويل إلى أن البيان الذي صدر عن المدرسة الإنجيلية أن السقف سقط خلال عطلة الأسبوع هزيل ولا معنى له. لا بل هو مجرد تبرير للتهرب من المسؤولية. كأن المشكلة هي متى وقع السقف وليس لماذا لم تجر له الصيانة المطلوبة لعدم وقوعه من الأساس.
الطامة الكبرى في الموضوع أن وزارة التربية يفترض أن تكون قد عممت على جميع المدارس الخاصة الكشف على المباني قبل بداية العام الدراسي. وهو إجراء روتيني يفترض أن يحصل كل عام ويشترط أن تقدم المدرسة تقريراً موقعاً من المهندس المشرف على الكشف. ولائحة الأسئلة تطول: هل قدمت المدرسة كشفاً قبل إدخال الطلاب إلى الصفوف؟ وكيف تجري إدارة المدرسة ورشة طلاء لسقف قائم على خلل إنشائي ومعرض للسقوط؟ وهل ستجرؤ وزارة التربية على كشف المستور وتسمية الأمور بأسمائها؟ أما ستنتهي القضية كما حصل في مدرسة القبة بطرابلس، وتضيع حقوق الطلاب، ولا تتحقق العدالة في وضع المسؤولين خلف القضبان؟
وزارة التربية تصدر بياناً
لاحقاً، صدر بيان عن وزارة التربية جاء فيه: "فور تبلغ وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي خبر انهيار سقف أحد الصفوف في المدرسة الانجيلية الوطنية في صيدا، من قبل رئيس مصلحة التعليم الخاص في الوزارة الاستاذ عماد الأشقر، تم تكليف من يلزم بإجراء الكشف والاطلاع على الموقع المذكور. وقد تمت مطالبة المدرسة بحضور مهندس مختص، للكشف على البناء بكامله، بعد اقفال القسم الذي شهد حادثة السقوط، إلى حين التثبت من صحته. كما تم التواصل مع بلدية المية ومية من قبل المفتش وادارة المدرسة لتكليف من يلزم من البلدية، لإجراء الكشف على كامل البناء. كما تم التواصل مع القسيس جوزف قصاب، صاحب المدرسة، حيث أرسل مجموعة من المهندسين للكشف على البناء والاطلاع على ما يمكن أن يشكل خطرا بهدف اصلاحه. وقد تم تكليف مصلحة التعليم الخاص بإصدار تعميم، يطالب المدارس الخاصة، المجانية وغير المجانية، بإصدار مستندات حول متانة الأبنية، تكون حديثة وموقعة من مهندس مدني.
إن وزيرة التربية تهيب بإدارات المدارس التثبت من أي أمر قد يشكل خطرا على سلامة الطلاب، شاكرة الله على أن أي من الطلاب لم يصب بأذى".