المصدر: أساس ميديا 
الكاتب: جوزفين ديب 
الثلاثاء 4 تشرين الثاني 2025 07:56:26
في مراجعة حرب العراق، لا يمكن إلّا استعادة مشهد محمّد سعيد الصحّاف وهو يؤكّد في مؤتمرٍ صحافيّ أنّ العلوج لا يمكن أن يقتربوا ويسقطوا نظام صدّام. وما كانت إلّا لحظات حتى سقط الصحّاف وسقط النظام العراقيّ واحتُلّ العراق. ليس إيراد هذا المثل بغرض إسقاطه على لبنان، لأنّ المقارنة بين الحالتين لا تجوز، إلّا أنّ واقع الإنكار الذي تعيشه السلطة، وحجم التطمينات التي تبثّها، يجعلانها تبدو كتهديدات الذي يقف قاب قوسين من الهاوية.
هذه خلاصة واستنتاج أحد الدبلوماسيّين الغربيّين الذين يعاينون الوضع اللبنانيّ بعدما سئموا من مماطلة الدولة، أو بالأحرى عدم إدراكها لحجم المسؤوليّة الملقاة عليها، وعدم قدرتها على الإدارة الحكيمة قبل إعلان فوات الأوان.
في المقابل، تحاول السلطة في لبنان، بشخص رئيسها تحديداً، أن تجد مخرجاً للأزمة، وآخر المواقف التي يُراد من خلالها إحداث خرقٍ حقيقيّ هو موقف عون الذي قال فيه إنّ التفاوض حتميّ مع إسرائيل، لأنّ التفاوض يحصل مع الأعداء وليس مع الخصوم.
صيغة على نار بعبدا وعين التّينة
في اللقاء الأخير بين الرئيس عون والرئيس برّي في بعبدا، جرى التنسيق على أن يبادر عون إلى إعلان موقفٍ متقدّمٍ من التفاوض و”يأخذها بصدره”، فيما يحافظ برّي على تمسّكه بالتفاوض وفق لجنة “الميكانيزم”، في حين يبقي “الحزب” نفسه بعيداً وخلف موقف الدولة، تماماً كما فعل في عهد الرئيس ميشال عون خلال المفاوضات على الحدود البحريّة.
في معلومات “أساس” أنّ موقف عون الجديد الذي أعلن فيه استعداد لبنان للتفاوض وضرورته على اعتبار سقوط المواجهة العسكرية، أتى بالتنسيق مع الرئيس برّي، ومن خلال التنسيق مع “الحزب” عبر الوسيط الدائم بين مستشار الرئيس، العميد أندريه رحّال، وبين النائب محمد رعد، أو من خلال اللقاءات المباشرة بينهما.
بالتزامن مع هذا التصريح الرئاسيّ، يُسجَّل تناقضٌ في مقاربة لجنة “الميكانيزم”. فمن جهة، يبحث لبنان في توسيعها، لكن من جهةٍ أخرى تقول مصادر دبلوماسيّة لـ”أساس” إنّ إسرائيل لا تريد توسيع اللجنة، بل تريد تقليصها لأنّها لا تثق بالفريق الفرنسيّ ولا بفريق الأمم المتّحدة. وبالتالي تريدها ثلاثيّة فقط: لبنان، إسرائيل والولايات المتّحدة الأميركيّة.
بناءً على هذا المعطى، الفرنسيّون غير راضين عن مشاركتهم، على اعتبار أنّ دورهم يُقلَّص ويُحاصَر داخل اللجنة. والدليل على ذلك توقّف عملها الأساسيّ عند تبليغ الجيش اللبناني بـ”الخروقات”، وتوجُّه إسرائيل فوراً إلى تنفيذ الغارات على لبنان. وفي معلومات “أساس” أنّ هذه الإشكاليّة جرى نقاشها في الاجتماع الأخير، فكان الردّ الإسرائيليّ صارماً برفض أيّ تبليغ، وبالاستمرار في الغارات ما دامت ترى تل أبيب حاجةً إلى ذلك.
رسائل بالجملة إلى “الدّولة”
أشارت معلومات “أساس” إلى أنّ توم بارّاك قد سحب نفسه إلى حدٍّ بعيدٍ من الملفّ اللبناني، وتحوّلت مورغان أورتاغوس إلى مستشارة للجنة “الميكانيزم” لا مبعوثة خاصّة، لأنّ السفير الأميركيّ في لبنان، ميشال عيسى، سيلعب هذا الدور.
إلّا أنّ الرسائل على أشكالها تصل إلى لبنان. في كلام بارّاك رسالةٌ واضحةٌ إلى الدولة اللبنانيّة عبر وصفها بالفاشلة، وفي هذا الكلام مؤشّرٌ واضح إلى استياء أميركيّ كبير من أداء الرئاسات اللبنانيّة في ملفّ مقاربة سلاح “الحزب” أوّلاً، والتفاوض المباشر مع إسرائيل ثانياً.
واحدة من الرسائل الأميركية – الإسرائيليّة أيضاً كانت في اصطحاب الجانب الإسرائيليّ لأورتاغوس في جولة على الحدود مع لبنان، وقد شاهدت اغتيال أحد قادة “الحزب”، بالإضافة إلى عددٍ من التصاريح الإسرائيليّة التي انتقدت أداء عون وأداء الحكومة اللبنانيّة بشكلٍ عامّ.
بناءً على هذا المعطى، تقول مصادر دبلوماسيّة لـ”أساس” إنّ كلّ المؤشّرات تتحدّث عن تصعيدٍ مقبلٍ سيصل إلى بيروت، وسيكون رسالةً ليس فقط إلى “الحزب”، بل إلى الرئاسة الأولى أيضاً بصفتها ممثّلةً لموقف لبنان في السلاح وفي التفاوض.
وساطات ألمانيّة ومصريّة
تزامناً مع هذا التصعيد، الذي تحوّل تدريجاً إلى تصعيدٍ في وجه الدولة اللبنانيّة، تسارع دولٌ مثل مصر وألمانيا، لِما لديهما من تجربةٍ في ملفّ التفاوض (مصر في غزّة، وألمانيا في لبنان بين عامَي 2000 و2006). ولهذه الغاية، تحدّثت معلومات “أساس” عن لقاء الألمان، ليس فقط مع رئيس الجمهوريّة، بل مع “الحزب” أيضاً، للتعبير عن الاستعداد للدخول في وساطةٍ للوصول إلى تفاوض.
من جهته، يشاهد “الحزب” زحمة وسطاء من دون القدرة على التمييز بين من يستطيع أن يُكمل المهمّة ومن يعمل في الوقت الضائع.
لكن فيما نقلت مصادر أميركيّة لمؤسّساتٍ إعلاميّةٍ أنّ لبنان فقد الفرصة الأخيرة المعطاة له لدخول ملفّ التفاوض وقطار المنطقة، ثمّة من يهمس بأنّ الفرصة لا تزال سانحة، لكن ليس لوقتٍ طويل. ولنجاح الفرصة، يُفترض النجاح في انتقاء الوسطاء، لأنّ كثرة الطبّاخين ستحرق كلّ شيء.