صيف لبنان راجع…

"من زمان ما دقّت ضحكة الصيف ببيروت مثل هالسنة"… عبارة تتردد على ألسنة اللبنانيين مع بداية موسم سياحي يُبشّر بالخير. بعد أعوام من القلق والعزوف، جاء قرار دول الخليج برفع الحظر عن زيارة لبنان ليعيد الحياة إلى القطاع السياحي، ويمنح البلاد جرعة أمل كانت بأمسّ الحاجة إليها.

الخطوة الخليجية، التي بدأت برفع الحظر الإماراتي ووصول ثلاث طائرات واستقبال مميز في المطار استكملت بوفد تقني سعودي لمتابعة سير التنسيق بين البلدين وستتوج مع حلول عيد الأضحى المبارك بعودة السعوديين إلى لبنان تزامناً مع دخول البلاد في عهد جديد بقيادة الرئيس جوزاف عون. هذا العهد، الذي بدأ بإعادة تنظيم العلاقة بين المؤسسات، وبث أجواء من الاستقرار السياسي والأمني، أعاد الثقة بدولة كانت غائبة عن المشهد السياحي لسنوات. وقد انعكست هذه الخطوة مباشرة على حجوزات الفنادق والطيران، حيث أفادت نقابة أصحاب الفنادق أن معدل الإشغال تخطى 70 % في بيروت، ويتجه للامتلاء الكلي في مناطق الجبل والساحل خلال شهري تموز وآب.

السياحة في لبنان ليست نشاطاً موسمياً فحسب، بل هي شريان اقتصادي حيوي. إذ تساهم بنحو 19.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2019. وتطال تأثيراتها كل القطاعات: من خدمات الإيواء والمطاعم إلى النقل، من الصناعات الحرفية إلى تنظيم الفعاليات والمهرجانات التي بدأت تعود بقوة هذا العام، مثل مهرجانات بعلبك وجبيل وصور.

إلى جانب السياح الخليجيين، يشكّل المغتربون اللبنانيون عنصراً أساسياً في تنشيط الاقتصاد. أكثر من مليون مغترب يُتوقّع أن يزوروا لبنان هذا الصيف، بحسب تصريح وزير السياحة، مع تحويلات مالية تقدَّر بأكثر من 7 مليارات دولار سنوياً. هؤلاء لا يأتون للسياحة فقط، بل للاستثمار، وافتتاح مشاريع صغيرة، وتجديد المنازل، ما يخلق دورة اقتصادية تتجاوز الموسم الصيفي نحو الاستدامة.

وقد بدأت الدولة، بتوجيه من الرئاسة، تنفيذ خطة متكاملة تتضمن ترويجاً خارجياً، ضبط الأسعار، تنظيم المطار، وتأهيل البنى التحتية الأساسية في الوجهات السياحية. كما يجري العمل على دعم أنماط السياحة المتخصصة كالسياحة البيئية في الشوف، والدينية في حريصا، والطبية في بعض المستشفيات المعتمدة دولياً.

في المحصلة، السياحة هذا العام ليست مجرد فسحة صيف، بل مفصل اقتصادي واستراتيجي لإعادة الثقة بالبلد. فهل تترجم الدولة هذا النجاح بإرساء رؤية وطنية دائمة؟ وهل آن الأوان لإنشاء مجلس وطني للسياحة يخطط، ينسّق، ويستثمر هذه الدينامية المتجددة؟ صيف لبنان هذه السنة ليس فقط موسماً للفرح… بل فرصة للإنقاذ والبناء.