المصدر: النهار
الكاتب: ديما عبد الكريم
الاثنين 24 تشرين الثاني 2025 14:16:54
كعادتها، كانت الشوارع تعجّ بالحياة أو الأصحّ بمحاولة البحث عن الحياة. هكذا أصبح الوصف الأدق للعيش في زمن الاستباحة الإسرائيلية من الجنوب إلى البقاع وحتى ضاحية بيروت الجنوبية التي استهدف الطيران الإسرائيلي فيها شقة داخل مبنى سكني في شارع مكتظ بالمحال التجارية والمارّة. الاستهداف الذي "حقّق هدفه" بحسب تعبير الإعلام الإسرائيلي، أعاد تذكيرنا مرة أخرى بأن العيش مع "تحقيق هذه الأهداف" يعني العيش بما يُشبه في لعبة الاحتمالات المفتوحة لا أحد يعرف متى وكيف تنتهي.
هو يوم من أيام نهاية الأسبوع التي كان يفترض أن يستجمع فيه واحدنا طاقته ويتهيأ لبداية أسبوع جديد. صحيح أن معظمنا توقف عن وضع هاتفه على وضعية الصامت حتى لا تباغته خرائط الإخلاء التي "عوّدنا" أفيخاي أدرعي على نشرها، إلا أن حقيقة ثابتة بات معظمنا يعرفها: وقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ليس أكثر من خيط رفيع يفصل بين الحياة والموت.
فمنذ ذلك الإعلان، باتت حياتنا معلّقة على "هدف" هنا وآخر هناك. هكذا أرادت إسرائيل لشكل الحياة أن يصبح في معظم المناطق اللبنانية. اختارت لنا أن نكون جثثاً متنقلة بأعين مفتوحة نغمضها في لحظة "خبر عاجل". غارة من مسيرّة تستهدف سيارة على طريق، أو بقذيفة تُلقى على جمع من المواطنين، أو بعبور طائرات حربية فوق رؤوسنا لتلقي بصواريخها على "بنك أهدافها".
"أخبار عاجلة" نحن تحاول أن تجد من يقرأها أو يلتفت إليها. نتعثر بالخوف لكننا نمضي. نتفقد هواتفنا أكثر ما نتفقد تفاصيل حياتنا. نترقّب الأصوات كلّما انخفضت المسيّرات لتلامس بيوتنا. نصغي إليها بتمعّن وكأنها تحدّد مصيرنا.
هكذا تبدو الحياة أخطر كلّما قرّرت إسرائيل أن خطراً ما يداهمها! لا ضمانات لا دعوات لا هدن لا اتفاقات ولا مجتمع دولي قادر على انتشال شعب مرهق. شعب يرتّب يومياته فوق أرض لا تتوقف عن الارتجاج وفوق هاوية ليس هو من يقرّر السقوط فيها.
ومع ذلك، ثمة شيء في هذه الأرض يدفع بأهلها نحو المستقبل. بين احتمالين لا ثالث لهما، الموت والحياة، يفتحون محالهم، يذهبون إلى أعمالهم، يتمسكون بالغد بخيط أمل مشدود يرفض أن يستسلم، خيط لا يراه إلا من يعيش فوقه كل يوم.