المصدر: نداء الوطن
السبت 3 كانون الاول 2022 07:27:35
كتب طوني كرم في نداء الوطن:
تفرض التحديات التي يمرّ بها لبنان يوماً بعد آخر، التأقلم مع إنهيار مؤسسات الدولة الرسميّة والخاصة، كما قطاعاته الخدماتية والتعليميّة والإستشفائيّة، بعد سقوط قطاعه المصرفي. ويتحوّل لبنان بذلك من "مستشفى الشرق" إلى "جهنّم" تدفع المرضى وذويهم إلى الوقوف أمام أبواب المستشفيات وفي بالهم: "الداخل مفقود والخارج مولود"!
لا يختلف إثنان على أنّ تداعيات الإنهيار الماليّ طالت جميع القطاعات، كما أن خيرة وأكفأ الأطباء الذين وجدوا أنفسهم أمام استحالة المضي في هذا الواقع الأليم، هاجروا للبحث عن مستقبل أفضل خارج البلاد... وهذا حقّ لهم! إنما أن يتحول بعض المستشفيات في لبنان إلى مجرّد "دكاكين" تتلاعب بصحّة المرضى، لا بل تفاقم الخطر على حياتهم، جرّاء غياب الطاقم الطبي المطلوب واستهتاره، فهذا يفرض على المسؤولين الرسميين إن وجدوا، التحرّك ووضع حدّ لهذا الإهمال الذي لم يوفّر صحّة المواطنين، كما حصل مع المريضة المتوفاة سيدة سمعان، في مستشفى سيدة السلام – القبيات.
وفي التفاصيل، أصيبت السيدة سمعان، 76 عاماً، صباح العاشر من شهر تشرين الثاني بألم في البطن استدعى نقلها إلى مستشفى سيدة السلام التي تبعد دقائق عن منزلها في بلدة القبيات – عكار، شمال لبنان. وبعد قيام الممرضات بالفحوصات الأولية، تبيّن عدم وجود طبيب في طوارئ المستشفى، ما استدعى الإتصال بالمدير الطبي، أ.ض.، المتخصص في امراض المسالك البولية. وبعد طلبه إجراء بعض الفحوصات، تبيّن من صورة ASP أن المريضة تعاني من إلتهاب في "البيروتين"، من دون التوقف أمام مخاطر هذا المرض، فاكتفى بالطلب من ذويها إعادتها إلى المنزل وإخضاعها إلى "حقنة" وإعطائها دواء مخففاً للأوجاع.
وهذا ما حصل، لتتفاقم حالة المريضة عند الساعة الخامسة بعد الظهر من اليوم نفسه، ما استدعى نقلها مجدداً إلى المستشفى. وبعد الإتصال مجدداً بالطبيب أ.ض.، طلب من إحدى الممرضات الإتصال بالطبيب ن. ص. المتخصص في أمراض الجهاز الهضمي، والبحث في إمكانية إدخالها إلى المستشفى ومعالجتها. وبعد موافقة الطبيب المذكور، الذي لم يحضر لمعاينة المريضة، لا بل طلب إعطاءها حقنة قرابة الساعة الثامنة مساءً. وبعد معاودة الممرضات الإتصال به بعد ما يقارب الساعة، مع تفاقم الحالة الصحيّة للمريضة، كرر طلبه بإجراء حقنة جديدة لها صباح اليوم التالي.
ومع قيام الممرضات بالإتصال بأحد أطباء القلب أ. س.، طلب إعطاءها مهدّئاً للألم، قرابة الساعة التاسعة والنصف مساءً، قبل إعادة الإتصال بالدكتور ن. ص.، ووضعه في أجواء حالة المريضة الصحيّة المتدهورة، ليطلب من الممرضات إعطاءها "ماءً وملحاً"... ثم طلب من الممرضات الإتصال بطبيب الإنعاش من دون تكبّد عناء معاينتها رغم الحالة الحرجة التي تمر بها.
ومع الاتصال بطبيبة الإنعاش ج. إ.، قرابة منتصف الليل، طلبت من الممرضات الإتصال بطبيب القلب، الذي طلب إجراء تشخيص معيّن والإتصال به مجدداً، لتتفاجأ الممرضات بأن هاتفه خارج الخدمة... وتفارق المريضة الحياة فجر 11 تشرين الثاني. أي بعد أقل من 20 ساعة على وصولها إلى المستشفى. ورغم حالتها الحرجة، لم يتكبّد أيٍّ من الأطباء المذكورين عناء معاينتها ومحاولة تقديم العلاج المطلوب لها.
وإن كان استسهال التلاعب بصحّة المرضى، والتأقلم مع مشيئة الله (الموت)، أصبح السائد في هذا البلد، فإنّ الحصول على العناية الصحيّة المطلوبة تعدّ من أبسط الحقوق الأساسيّة للإنسان، وليس من الكماليات. كما أنّ مناقبيّة الأطباء ودورهم كما رسالتهم تحتّم عليهم تأمين أفضل العلاجات المتاحة للمرضى، وتشخيص العلاج، والتعاون مع أشخاص مؤهلين، والسهر على متابعة تنفيذ العلاج.
وهذا ما لم يحصل مع الضحيّة سمعان، كما مع سواها من العديد من المرضى جرّاء تقاذف المسؤوليات ما بين المستشفيات ووزارة الصحة والدولة "المتحللة"! إلا أنّ عائلة الضحيّة سمعان قررت الانتفاض على هذا الواقع، لتسلك الأطر القانونية محاولةً وضع حدّ ومحاسبة المخلين والمستهترين في حياة المرضى.
وبموجب الشكوى الجزائيّة التي تقدم بها المحامي زياد إسبر، وقيام الضابطة العدلية بالتحقيقات الأولية مع المعنيين، تبيّن في تقرير الطبيبين الشرعيين، ن.ي.، و ح. ع.، أنّ "المريضة المتوفاة سيدة سمعان لم تتلق الرعاية الطبيّة الكاملة، واقتصر التعامل مع وضعها الصحي وتقدير حالتها من قبل الأطباء على شرح من الممرضات هاتفياً، ولم تتم معاينتها سريرياً، من قبل الأطباء، وبالتحديد من الساعة الخامسة والنصف مساء 10/11/2022 عند حضورها للمرة الثانية إلى الطوارئ، وكذلك عندما ساءت حالتها ليلاً وتمّ نقلها إلى قسم الإنعاش. ليشير تقرير الأطباء الشرعيين أيضاً، إلى عدم ورود أي ذكر اسم لطبيب الطوارئ في الملف الطبي وفي المستشفى".
وأمام هذا الواقع، ومع تبيان التقصير في تقديم الرعاية الطبيّة للمريضة المتوفاة، هل ستتحرك وزارة الصحة، ونقابة الأطباء والقضاء تجاه المقصّرين؟ أم أنّ الرحمة على الضحايا سيبقى العزاء الأول والأخير للمواطنين مع تحوّل بعض المستشفيات في المناطق النائية إلى "مسالخ" تستهتر بحياة المرضى؟.