ضغوط أميركية - فرنسية تسابق التغيّرات لكبح التصعيد...

تعيش الجبهة الجنوبية حالة من التصعيد تترافق مع استمرار حرب الاغتيالات الإسرائيلية ضد كوادر "حزب الله" الذي يرد بإطلاق صواريخ ومسيّرات ويستهدف مناطق بعيدة ومواقع في العمق الإسرائيلي وفقاً لما يعتبره رداً على الاعتداءات.

وتندرج المواجهات المتواصلة في سياق إبقاء الجبهة مشتعلة في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات حول الهدنة المرتقبة بين إسرائيل و"حماس"، التي يتوقع أن تأخذ وقتاً إضافياً وسط رهانات بنيامين نتنياهو على تحقيق انجاز في رفح قبل خطابه أمام الكونغرس الأميركي في 24 الجاري.

ووفق المؤشرات الميدانية يتبين أن إسرائيل مستمرة في توتير الجبهة الجنوبية مع لبنان، بتوسيعها قواعد الاشتباك كعنوان لرفضها العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) قبل تحقيق إنجاز يبعد "حزب الله" عن الحدود، ويسمح بعودة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم. فيما يسعى "حزب الله" إلى إبقاء الربط قائماً بين جبهة الجنوب وغزة ويعلن في الوقت نفسه أنه لا يريد حرباً واسعة، على الرغم من أن كل وقائع المواجهات تحمل مؤشرات إلى احتمال الانزلاق نحو انفجار شامل.

وفي وقت تتواصل فيه المفاوضات عبر الوسطاء الدوليين والإقليميين في قطر حول الهدنة في غزة، ينتظر الجميع ما سيُتتفق عليه للمرحلة المقبلة في قطاع غزة، خصوصاً مع موافقة "حماس" على مقترح بايدن وتراجعها عن شرط الوقف النهائي لإطلاق النار، ما يسلّط الأضواء على جبهة الجنوب خصوصاً مع الرسائل التي أوصلها الفرنسيون إلى لبنان بعد لقاء المبعوثين الأميركي آموس هوكشتاين والفرنسي جان إيف لودريان في باريس والتي تتضمن تطمينات حول المسار التفاوضي وفي الوقت نفسه ضغوط وتحذيرات من احتمال تصاعد وتيرة الحرب.

ووفق مصدر ديبلوماسي متابع، فإن الرسائل الفرنسية واتصالات هوكشتاين وأيضاً التحركات الألمانية على خط "حزب الله" والمنسقة مع الأميركيين، كلها تبعث إشارات حول إحتمال شن حرب إسرائيلية على لبنان أو توسع العمليات مع انتهاء حرب رفح، في حال لم يتم التوصل إلى تفاهمات تفتح التفاوض حول الوضع في الجنوب وصولاً إلى تسوية الحدود وتطبيق القرار 1701. والاخطر في هذا السياق أن يلجأ نتنياهو مع تحالف اليمين المتطرف إلى توسيع وتيرة المواجهات جنوباً هرباً من الضغوط الدولية في غزة واستغلال الوضع الذي تتخبط فيه الإدارة الأميركية في الانتخابات والضغوط التي يتعرض لها جو بايدن للانسحاب من السباق الرئاسي.

بالتوازي مع المفاوضات حول الهدنة في غزة، يتركز جزء من الاتصالات التي يتولاها في شكل رئيسي الأميركيون حول جبهة الجنوب. ووفق ما يعلن أن أي اتفاق على وقف اطلاق النار في القطاع سينسحب على لبنان. لكن ذلك لا يعني أن المواجهات ستهدأ بل ستبقى الجبهة في حالة ترقب ما لم يتم ارساء تفاهم يفضي إلى اتفاق طويل الامد، وهنا تكمن المشكلة التي يسعى هوكشتاين ولودريان إلى تجاوزها، وتحمل في الوقت نفسه أخطاراً وتنذر في حال استمرت العمليات الموضعية الإسرائيلية في المرحلة الثالثة في غزة بإبقاء الجبهة اللبنانية مشتعلة.

الربط القائم بين جبهة الجنوب وغزة مع حرب المساندة لـ"حزب الله"، يجعل مهمة هوكشتاين ولودريان معقدة، خصوصاً أمام الشروط الإسرائيلية التي لا تزال مرتفعة، ولذا يسعى المبعوثان في سباق حثيث لتحقيق تقدم سريع نحو الوصول إلى تفاهم لإرساء الهدوء على الحدود الجنوبية قبل انتهاء شهر تموز الحالي تجنباً لتفلت الوضع، خصوصاً أنه مع شهر آب المقبل ستدخل الولايات المتحدة في حال انشغال كامل في الانتخابات الرئاسية مع تقدم دونالد ترامب في الاستطلاعات، وهو ما يعني قرب انتهاء مهمة هوكشتاين، وأيضاً الأمر نفسه مع لودريان وفق نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية التي قد تغيّر من مهمته أو تكبّل دوره الخارجي.

حتى لو تم التوصل إلى هدنة في غزة وفق المراحل التي يعلن عنها، مع الاتفاق على وقف اطلاق النار، فإن التعقيدات على جبهة الجنوب ستبقى قائمة مع الإصرار الإسرائيلي على تغيير واقع الحدود، ورفض "حزب الله" أي تفاوض على سلاحه، ووفق المصدر الديبلوماسي أن الاقتراحات الأميركية المتفق عليها مع الفرنسيين، في مرحلتها الأولى، تقوم على وقف العمليات في الجنوب بالتوازي مع وقف النار في غزة، وتأمين عودة السكان على الجانبين، ثم بدء التفاوض على ترسيم الحدود انطلاقاً من القرار 1701، لكن هذه الاقتراحات سيكون مسارها طويلاً، وهي تفتح على احتمالات التفجير في اي وقت عند حدوث اي عقدة في المفاوضات. وهذا سيناريو يبقى في دائرة الاحتمال إذا وافقت إسرائيل و"حزب الله" على البدء بهذه العملية.

ثمة أجواء أيضاً تشير وفق المصدر الديبلوماسي إلى أن إسرائيل تسعى إلى تأخير اتفاق الهدنة، وابقاء المفاوضات في حالة مراوحة، لإستمرارها في حرب الاستنزاف بغزة وبجنوب لبنان حتى الانتخابات الأميركية، وأقله أن وقف النار لن يكون قبل زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، وهذا يعني أن الحكومة الإسرائيلية تواصل استعداداتها للمرحلة الثالثة في غزة وللحرب على الجنوب. وفي المقابل يستمر "حزب الله" الذي يراهن على عودة الامور في جنوباً الى ما قبل طوفان الاقصى، في ربط لبنان بغزة وتأطير علاقته بـ"حماس" وقوى الممانعة ويتحسب للحرب مع التغيّرات المحتملة على المستويين الإقليمي والدولي. وهو بذلك يواصل معركته لحسابات غير لبنانية ويبقي البلد في حالة الاستنزاف؟