طريف "يقتدي" بجنبلاط

ثمّة قناعة بأن مبدأ المحاسبة يشكل مدخلًا للحوار والمصالحة، ودونه يبقى المسار السياسي ناقصًا، هشًا، ومعرضًا للانهيار. المحاسبة تلغي الثأر، إذ يُحاسب المرتكب، وترسي نوعًا من العدالة التي تمهّد لحل سياسي. هذا المسار هو المنطلق الأساسي لحل أزمة السويداء ومعالجة ذيولها، وخريطة الطريق تبدأ بالمحاسبة وتمر بالحوار  والمصالحة لتصل إلى الحل السياسي.

انطلاقًا مما ذكر، وضع الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط رؤيته للحل في السويداء، ولم يكتف بالنظرية، بل اتجه نحو التطبيق. اتخذ جملة من الخطوات، بينها العمل على فتح طريق دمشق – السويداء والدفع باتجاه إدخال المزيد من المساعدات، لكن الخطوة الأهم في  المسار السياسي كانت إطلاق مسار تحقيق دُوَليّ   لأحداث السويداء.

في هذا السياق، أعلن مستشار التعاون الدولي للمحكمة الجنائية الدولية نضال الجردي، موافقة بَعثة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق في سوريا على زيارة السويداء هذا الشهر بطلب ودعم من جنبلاط، وبتنسيق مع القيادة الدرزية في السويداء ومطران المحافظة. هذه الخطوة من شأنها إطلاق مسار التحقيق الدُّوَليّ تمهيدًا لمحاسبة كل مرتكبي الانتهاكات والجرائم.

مصادر متابعة للشأن الدرزي ثمنت في حديثها إلى "المدن" الخطوة، واعتبرتها "حجر الأساس لبدء مسار الحل السياسي في المحافظة، وإجراء "لا بد منه لخدمة هدف اندماج الدروز بالدولة السورية فيما بعد"، وتطرّقت المصادر إلى "الدور الفاعل" الذي قام به جنبلاط "خلف الكواليس"،  بعيداً عن البروباغندا السياسية التي لجأ إليها البعض دون نتائج عملية تذكر.

موقف لافت لطريف

إلى ذلك، توقفت الساحتان الدرزيتان في لبنان وسوريا عند التصريحات التي أدلى بها رئيس الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف، والتي شدّد خلالها على مبدأ إشراك دروز السويداء في الدولة السورية من خلال منحهم حقوقهم وتفعيل دورهم في المعادلات السياسية وفي المجلس النيابي والدستور.

وتحدثت مصادر درزية  عن تبدّل خطاب طريف وعودته إلى خريطة الطريق التي أطلقها جنبلاط، وما يحمل هذا التبدّل من مضامين. تنطلق المصادر من العلاقة المتينة بين طريف ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لتقول إن طريف يتحدث باسم إسرائيل في الملف الدرزي، ودعوته دروز السويداء إلى التوجّه نحو الحكومة السورية تشكل اعترافًا بانعدام الدعم الإسرائيلي لهم ولمشاريع الانفصال.

المصادر تقول إن طريف اتهم جنبلاط باتخاذ الموقف "الخطأ"، بما يتعلق بدروز السويداء، لكنه عاد و"اقتدى" بمواقف جنبلاط ونادى بمنح الدروز حقوقهم من خلال الحكومة السورية وإشراكهم بالمعادلات السياسية المحلية، وحينما سألته المحاورة عن دعمه طرح الانفصال، أمل طريف أن ينال الدروز حقوقهم من الحكومة السورية، وهو رفض ضمني للطرح.

في رده على سؤال "المدن" حول سبب التزام رئيس الهيئة الروحية في المحافظة الشيخ حكمت الهجري طرحه الانفصالي ورفضه العودة عنه رغم غياب دعم إسرائيلي وأميركي ودولي صريح لمشروعه، يقول مصدر درزي في السويداء إن الهجري "أسير موقفه وغضب الناس"، فشعور النقمة المسيطر في السويداء "يجبره على اتخاذ مواقف شعبوية، وإلّا خسر موقعه الاجتماعي".

قائد أمني جديد

مستجد آخر طرأ في السويداء، كان تعيين حسام الطحان قائدًا لقوى الأمن الداخلي في المحافظة بدلًا من أحمد الدالاتي. مصدر آخر في السويداء يروي بارتياح حيثيات التعيين، فيشير إلى أن نطاق عمل الطحان السابق كان ريف دمشق، واختبر دروز جرمانا وتمكّن من حل مشكلتهم مع الحكومة وسيطه كان حسناً، وفق أهالي جرمانا، وبالتالي من المرتقب أن يكون له دور إيجابي في السويداء.

في المحصلة، فإن سلسلة الخطوات المتخذة في السويداء تمهّد لحلول جذرية لمعالجة الأزمة مع الحكومة، إذ إن إطلاق مسار المحاسبة وتغيير المقاربة الأمنية في المحافظة  هو بمثابة إجراء ضروري لمنع تكرار الأحداث الدموية وترسيخ حد أدنى من العدالة، لكن المشوار الطويل والشق الأصعب هو إجراء المصالحة بين الدروز ومحيطهم، والغد لناظره قريب.