طهران الموسم الرابع (Tehran Season 4) والمُشاهد اللبنانيّ

مع انطلاق شَنّ الضربات الإسرائيلية على إيران وبدء المواجهة المفتوحة بينهما، تحوّلت أنظار اللبنانيين، على اختلاف مذاهبهم وخلفياتهم السياسية، نحو متابعة مجريات الأحداث التي أعادت إلى الأذهان مسلسل "طهران" التلفزيوني. لقد أصبحت الضربات الإسرائيلية وردود النظام الإيراني موضوع اهتمام محلّيّ كالعادة. تفاجأ النظام الإيراني، الذي راهن على استمرار المفاوضات مع إدارة ترامب وإحياء الصفقة النووية والحِفاظ على أذرعه في المنطقة، بحجم الهجوم وسعة رقعته، وربّما لم يتوقّع أن تصل حدّة التوتّر إلى ما هي عليه اليوم، وهذا بحدّ ذاته دليل على مسائل عديدة جديرة بالتدقيق في موعد لاحق.

في الداخل اللبناني، بَقي موقف "بيئة حزب اللّه" الداعمة لطهران على حاله كالمعتاد مهما كانت النتائج، مقابل أطياف أخرى من اللبنانيين، يراقبون الصراع، ويُمنّون النفس أن تشكّل هذه المواجهة فرصة تاريخية لإخراج بلادهم من قبضة الحرس الثوري الإيراني الذي يستبيح بأذرعه سيادة البلاد، ويعمل على تحويل اللبنانيين إلى دُروع بشرية ضمن مشروع توسّعي، يرمي إلى تقويض دول عربية عدة ويستخدم قضية فلسطين وبقية القضايا العادلة كوقود لتَسييد نظامه.

لكن، وفي الواقع الراهن، لا يبدو أن هذا الأمل الجوهري لدى اللبنانيين كان كافيًا أو حافزًا فعليًا لانتشال البلاد من منظومة السلاح. تتمحور المَشهدية اليوم حول أن غالبية الطبقة السياسية اللبنانية بمن يمثلها، ضِمنًا حُكامها، مُنشغلة بمتابعة الأخبار والقنوات التلفزيونية في تغطيتها المستمرّة، بدل استغلال هذه اللحظة لتضميد الجراح الوطنية واستعادة الحدّ الأدنى من سيادة بلادهم.

الأمر الأهمّ اليوم، أو على الأقلّ الذي كان يجب أن يتصدّر قائمة الاهتمامات، هو العمل الفوريّ على تطبيق القرار 1701 الذي يَنُصّ على نزع سلاح كلّ الميليشيات، بدءًا بـ "حزب اللّه". كان على مؤسّسات الدولة، بشخص رئيس الجمهورية وبقيّة سلطاتها، أن تُعلن وبشكل واضح وقاطع التزامها بإنفاذ القرار، لفرض كامل سيادتها على كافة أراضي البلاد وليس فقط على مواقع في جنوب نهر الليطاني. الغريب في هذا الإطار هو عدم بدء تنفيذ انتشار القوى التابعة للحكومة في المخيّمات الفلسطينية، الأمر الذي أُقِرّ خلال زيارة رئيس السلطة الفلسطينية إلى لبنان.

كان من المفترض في ظلّ هذه الظروف الطارئة إعلان تنفيذ سحب السلاح كاملًا، بدون قرارات التأجيل، أو تفسيرات ذهنية نابعة من دائرة المستشارين أو زائري قصر بعبدا، ومعظمهم من "حزب اللّه" أو يحسبون أنفسهم على هذا المحور.

كما أنّه من غير المقبول أن يُعاد إنتاج خطاب يربط عدم مشاركة "حزب اللّه" في الحرب الحالية بأنّه دليل على الحكمة أو الحياد؛ فهذا الكلام يُعَدّ "تكريمًا" لميليشيات إقليمية متحالفة مع نظام يزدري عددًا من اللبنانيين ويدفع بهم ليكونوا عناصر في مشروع توسّعي لا يحترم الهوية الحضارية أو تاريخ لبنان والعالم العربي. إن مكافأة "حزب اللّه" لعدم استعماله السلاح لا يمكنها أن تتضمّن احتفاظه بهذا السلاح الذي أصبح لعنة على "الحزب" وبيئته المباشرة.

المطلوب الآن، قبل فوات الأوان، أن تستعيد الدولة اللبنانية سيادتها، لا أن يُحتفى بعدم خوض "حزب اللّه" حربًا إضافية فقط لأنه لم يشترك في الحرب المُدمّرة، بل يجب أن تُعتمد الإجراءات السياسية والعسكرية والقضائية التي تُلزم ميليشيات خارجة على الشرعية بالانسحاب وتسليم سلاحها للقوى اللبنانية. فالأولوية القصوى لا تقتصر على متابعة أحداث مسلسل "طهران" في موسمه الحالي، بل إعلان موقف وطني حاسم وهو: "وجوب نزع سلاح حزب اللّه فوراً، وإلا فإنّ لبنان سيبقى جزءًا تافهًا في مسرح إقليمي تحكمه الحسابات المتضاربة، ما قد يؤدي إلى إبرام تسوية على حساب البلاد".

في حال صَدر التكليف الشرعي الإيراني، أي الأمر الانتحاري بتشكيل جبهة قتالية ضد إسرائيل أو ضد الداخل اللبناني، فالحزب سيكون منصاعًا ومشاركًا، وبالتالي سيُضَحّي بدم اللبنانيين بدون تردّد. لذا، الأجدر بلبنان وحكومته، وقبل استفحال أي مواجهة، إطلاق استعادة مقاليد الأمان والسيادة، من خلال قرار تنفيذيّ صارم يبتعد من التزلف السياسي الذي أصبح بديلًا عن الدستور اللبناني.

الاستعجال في تطبيق القرار 1701، ونزع سلاح الميليشيات فورًا وبصرامة، هو العقد الذهبي لاستعادة الدولة واسترجاع الثقة بلبنان ككيان مستقل، لا كمنصة لحروب تُديرها فئة تسعى للتحكّم بالأرواح والمستقبل.