طهران- حزب الله وتباينات التكتيك: مواجهةٌ أم صبرٌ استراتيجي؟

إنها المرة الأولى التي تصل فيها العلاقة بين لبنان وإيران إلى هذه الدرجة من السوء. لا يرتبط الأمر بالعلاقة بين الدولتين فقط؛ بل يندرج في سياق الرؤية الإيرانية الشاملة لوضع المنطقة. منطقة تتغير بشكل متسارع، انقلبت كل سياقاتها ضد الترتيبات الإيرانية. منذ لحظة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان في تشرين الثاني 2024، تباينت الآراء داخل إيران، وداخل حزب الله حول كيفية التصرف. هناك من اقتنع بأن تغييرات جوهرية ستطرأ على دور الحزب وسلاحه وعلى المشروع الإيراني، بينما آخرون اختاروا مقاربة التطورات بالنظرية القديمة نفسها، أو تثبيت وقف النار وبعدها العودة إلى ممارسات قديمة مع المماطلة بسحب السلاح، والسعي لإعادة بناء القدرات العسكرية والأمنية. لكن التغير الأكبر والمفاجأة الكبرى، هو سقوط نظام الأسد والذي قطع الطريق على إيران وحزب الله وساهم بتغيير موازين القوى ككل في المنطقة. 

 

بزشكيان وعراقجي

تتعرض إيران كما حزب الله لضغوط كبيرة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى دول المنطقة التي تريد لإيران أن تخرج من سياق مشروعها الإقليمي ومبدأ تصدير الثورة. في هذا السياق، لا تزال الآراء متضاربة، ففي إيران هناك من يتجه نحو الواقعية ولا سيما رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية عباس عراقجي، وهما يريدان الوصول إلى تفاهمات مع الأميركيين. وللمفارقة أن رئيس الجمهورية لوح قبل فترة بتقديم استقالته بسبب الانسداد السياسي والأزمات المتلاحقة اقتصادياً ومعيشياً، وبسبب عدم القدرة على انتهاج سياسة واقعية. وهناك اعتراضات لدى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية على تدخل الحرس الثوري والمتشددين بكل تفاصيل الإدارة السياسية داخلياً وخارجياً. 

 

... والخامنئي مع لاريجاني وقايباف

في إيران اليوم، الممسكون بالملفات الاستراتيجية هم المرشد علي الخامنئي، أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف. وهم الذين يتولون إدارة الملفات السياسية وملفات المنطقة، وفي وقت تشير فيه مصادر ديبلوماسية إلى أن العديد من المسؤولين الإيرانيين يشددون على التفاوض مع الأميركيين ويستعدون للدخول به، إلا أن الاعتراض الأساسي يأتي من الخامنئي الذي يرفض تقديم أي تنازلات من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الوجهة أو العقيدة الإيرانية. 

 

قاسم والتحولات

ما يسري على إيران، ينطبق على حزب الله أيضاً، إذ تؤكد المعلومات أن الحزب يعيش مرحلة تحولات كبيرة، فالأمين العام الشيخ نعيم قاسم يعمل على الإمساك بكل مفاصل الحزب ويتخذ الإجراءات اللازمة لذلك، وينظر إليه كثر بأنه يتجه نحو المقاربات الواقعية، وعلى الرغم من مواقفه المرتفعة السقف ضد تسليم السلاح والتمسك بالمقاومة، إلا أن كل مواقفه تتضمن إشارة إلى استعداد معالجة ملف السلاح ولكن بشرط أن يكون الحل مبنياً على الحوار الداخلي، وبعد وقف الضربات الإسرائيلية. 

 

متشددو الحزب

في المقابل، هناك الكثير من المتشددين داخل الحزب، ويرفضون أي تنازل ويتمسكون بالسلاح وبالسعي لإعادة بناء القدرات العسكرية، أو بالحد الأدنى يشددون على ضرورة الحفاظ على ما تبقى من سلاح وعدم تسليمه للدولة اللبنانية، ولو كانت هناك أفكار مقترحة لتجميد السلاح، أي عدم استخدامه، لكن الأهم بالنسبة إليهم أن يبقى السلاح بحوزة الحزب. المطلعون على الأمر يشيرون إلى أن الحزب يمر بمرحلة تحولات كبيرة وهي ستكون بحاجة إلى وقت طويل حتى تظهر، ولم يكن من السهولة التعاطي مع مسألة سحب السلاح في جنوب نهر الليطاني ودخول الجيش والإعلام إلى مواقع كانت تابعة للحزب، فهذا مؤشر على المتغيرات. 

 

في انتظار رحيل ترامب

بعض الذين يفكرون بالطريقة القديمة في إيران وفي الحزب، يعتبرون أنه لا بد من تمرير المرحلة الحالية بأقل الخسائر الممكنة، بانتظار أن تنتهي ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحصول تغيير سياسي في إسرائيل، كما يراهنون على إمكانية اندلاع أحداث جديدة على مستوى العالم تشغل الأميركيين عن ملف إيران وسلاح حزب الله، فيتراجع الضغط ويكون الحزب قد تمكن من الحفاظ على سلاحه. لذلك، فإن هؤلاء يتمسكون بالسلاح، وفي السياق يأتي دخول مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي أكبر ولايتي على الخط، من خلال تأكيد مواصلة إيران تقديم الدعم العسكري للحزب، جاء ذلك خلال استقباله مسؤول حزب الله في إيران عبدالله صفي الدين. ومعروف أن صفي الدين هو أحد أقوى رجالات حزب الله في إيران، هو شقيق الأمين العام السابق للحزب هاشم صفي الدين، وهو مقرب جداً من الخامنئي، ومن الأشخاص الذين يقيمون منذ سنوات طويلة في إيران وفي الدائرة السكنية المحيطة بالخامنئي. 

 

إيران وقرار حزب الله

عملياً، تريد إيران الإمساك بكل أوراقها وحماية حلفائها، لأنها تعتبر أن المواجهة لم تنته، بل قد تكون مؤجلة. بالنسبة إلى إيران، أي حل أو تسوية يجب أن تحصل معها وليس مع أي طرف آخر، ولا يمكن استبعداها من معادلات رسم مناطق النفوذ في المنطقة. تحت هذا العنوان يبقى الأهم بالنسبة إليها هو الحفاظ على حزب الله بجسمه التنظيمي والعسكري، وذلك استعداداً لأي مواجهة قد تندلع، أو حتى استعداداً لأي تفاوض. في هذا السياق، يُقال الكثير عن الإمساك الإيراني بمفاصل الحزب والقرار فيه، حتى إن بعض المعلومات ذهب إلى اعتبار أن طهران هي التي تملك القرار السياسي والعسكري في الحزب، وأبرز الدلائل إطلالة صفي الدين من عند مستشار الخامنئي. 

 

دور لصفي الدين؟

هناك من نظر إلى هذه الزيارة بوصفها تحولاً، أو باعتبار أنها ستؤسس لمرحلة جديدة قد يلعب فيها صفي الدين دوراً أكبر في المرحلة المقبلة على صعيد قيادي في الحزب. بينما في المقابل، هناك من ينفي ذلك، ويعتبر أن نعيم قاسم هو الممسك بزمام الحزب ويتخذ الإجراءات الهيكلية المناسبة لذلك، وهو لا يزال الرجل الأقوى ويعمل على تثبيت وضعيته من خلال التعيينات التي يجريها بما فيها تعيينات داخل الجسم العسكري والأمني في الحزب. 

 

جهوزية في الاتجاهين

في كل الأحوال، يمكن أن يكون داخل الحزب مساران متوازيان، ولكن لا يتعارضان من حيث الوجهة الإستراتيجية وإن تعارضا في بعض المقاربات أو وجهات النظر حول كيفية تمرير المرحلة الحالية. وذلك يمكن أن يوصل إلى خلاصة احتفاظ الحزب بهذين المسارين، ففي حال جنحت الأمور نحو التسوية يكون جاهزاً لذلك، وفي حال جنحت نحو المواجهة يكون أيضاً جاهزاً لها. ذلك يبقى أيضاً خاضعاً لنوع من التنسيق مع طهران. 

 

الحكومة ومصير السلاح

يعلم حزب الله كما إيران أن التحولات التي عصفت بالمنطقة، حتمت البحث عن مقاربات جديدة، أبرزها وضع مسألة ومصير سلاح الحزب على الطاولة، وعدم قدرة أي طرف داخلي أو خارجي على إبعاد السلاح عن مسار التفاوض. ومن أبرز هذه التحولات، هو قرارات الحكومة اللبنانية بشأن حصر السلاح، دخول الجيش إلى مواقع الحزب، الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل على مستوى مدني. هذه التحولات هناك من يتعاطى معها في الحزب بواقعية وهناك من يرفضها. في هذا السياق تتضارب التقديرات أيضاً، فالبعض يعتبر أن حزب الله ضمناً يوافق على هذا المسار ولكنه غير قادر على تأييده، بينما البعض الآخر يؤكد أنه يستحيل على الحزب الموافقة. 

 

بري يوسع الهوامش 

ما بين الموقفين، لا يمكن إغفال موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي يسعى إلى توسيع هامشه وهامش حركته في ظل التحولات والتطورات التي تحصل على الساحة اللبنانية، فالأكيد أنه ينظر إلى المتغيرات ويعلم أن أحداً قادر على تغييرها أو مواجهتها، فوافق على التفاوض، وهذا ما سعى إلى إقناع الإيرانيين به من خلال إيفاد معاونه السياسي علي حسن خليل قبل فترة إلى طهران للبحث مع الإيرانيين بالأمر، الذي أيقنوا أن الأمر مفروض ولكن لا يجب تقديم كل التنازلات في هذه المفاوضات التي لا تزال في بدايتها ولا بد من انتظار كيف سيرتسم المشهد العام في المنطقة وتوازناته.

 

على خط طهران- بيروت

لا ينفصل ذلك عن السياق الرسمي للعلاقة اللبنانية الإيرانية والتي تشهد تراجعاً كبيراً. منذ لحظة إلغاء خطوط الطيران الإيراني إلى بيروت، إضافة إلى الإجراءات المشددة التي تتخذ لتفتيش الوفود الإيرانية، وصولاً إلى حد عدم قبول وزير الخارجية يوسف رجي أوراق اعتماد سفير جديد لإيران وهو محمد رضا شيباني الذي كان سابقاً سفيراً لإيران في لبنان وسوريا، وسيأتي مجدداً خلفاً للسفير مجبتى أماني، مع الإشارة إلى أن رجي جمّد أوراق الاعتماد ولم يقدم أي جواب هذا أحد المؤشرات على حجم التحولات التي تطرأ على العلاقة بين إيران ولبنان.