المصدر: المدن
الكاتب: عزة الحاج حسن
الجمعة 20 أيلول 2024 14:33:09
لم يشهد لبنان يوماً، وربما لم يشهد اي بلد بالعالم، هذا العدد من ضحايا العيون بشكل مفاجىء، وليس مشهد الجرحى غريباً عن مجتمعنا، في بلد واجه ويواجه الحروب منذ ولادته، لكنها المرة الأولى التي يتخلل فيها المشهد تنكيلاً بالأحياء يطال أبصارهم بالدرجة الأولى.
آلاف العمليات الجراحية تم إجراؤها خلال اليومين الفائتين، بعد وقوع جريمتي تفجير "البايجرز" وأجهزة اللاسلكي من قبل إسرائيل في 17 و18 أيلول. ومن الجرحى من ينتظر دوره في طوابير المستشفيات والبعض تم نقلهم إلى مستشفيات دمشق وطهران. فما العوائق التي وقفت في وجه إجراء العمليات وتقديم الإسعافات اللازمة للعديد من الجرحى المصابين بعيونهم؟ وهل يعاني لبنان نقصاً بأخصائيي العيون؟
طوابير الجرحى لم تنته
عندما وجّه نقيب أطباء لبنان يوسف بخاش نداء عاجلاً فور وقوع التفجير الأول يوم الثلاثاء الفائت، إلى جميع الأطباء خصوصاً أطباء الجراحة العامة وجراحة العظام والشرايين وأطباء الترميم والعيون والأطباء من كل الاختصاصات للتوجه فوراً إلى مراكز عملهم أو أقرب مستشفى لاستقبال المصابين والجرحى، لم يكن ليتوقع الكثيرون بأن أطباء لبنانيين مهاجرين سيعودون على وجه السرعة للمشاركة في إسعاف الجرحى. فقد دخل لبنان عشرات الأطباء خلال الأيام القليلة الماضية، ومنهم من تواصل مع النقابة للتنسيق في آلية تقديم الدعم على ما يقول مصدر من نقابة الأطباء. ومنهم أيضاً مَن تواصل مع أصدقاء أطباء لمد يد العون على ما يكشف الطبيب والجرّاح الياس جرادي.
وعلى الرغم من أن لبنان يذخر بنحو 17 ألف طبيب من كافة الإختصاصات ويخرّج سنوياً قرابة 600 طبيب من جامعاته، غير أن غرف العمليات الجراحية في المستشفيات لم تتمكّن من تلبية كثافة الجرحى وهو ما خلق طوابيراً من المصابين لاسيما مصابي العيون.
يقول ذوو أحد المصابين بعينيه الاثنتين لـ"المدن" أنهم ينتظرون إجراء العملية منذ وقوع التفجير الأول أي منذ قرابة 72 ساعة ولم يحن دوره بعد. ورغم نقله إلى مستشفيين في منطقة بعلبك الهرمل غير أن المستشفيين عجزا عن إجراء العملية فاضطر ذووه إلى نقله براً إلى إحدى مستشفيات سوريا في ظل فائض المصابين في مستشفيات بيروت.
هذه الحالة وغيرها بالعشرات وربما المئات يواجهون أزمة انتظار تتخللها أوجاع جسدية ونفسية قد لا يعلم بها سوى أصحابها الجرحى، وهم الخائفون من فقدان أبصارهم كلّياً والإلتحاق بزملاء لهم باتوا في عداد الأكفاء. وبحسب المعلومات فقد بلغ عدد المصابين الذين خسروا العينين نحو 400 جريح.
النقص بالطواقم الطبية
أمام طوابير جرحى العيون لا بد من البحث في أهلية البلد للتعامل مع هذه الحالات وما إن كان لبنان يعاني نقصاً باختصاص طب العيون تحديداً. يجزم الدكتور جرادي وهو نائب في البرلمان، في حديثه لـ"المدن" بأن لا نقصاً بأطباء العيون في لبنان "لدينا العدد الكافي من الاختصائيين الأكفّاء بمهارات وخبرات ممتازة، وإن كان هناك تفاوت بالمستويات، لكننا نواجه نقصاً كبيراً بالطواقم الطبية المتكاملة" يقول جرادي. فالعمليات الجراحية بالعيون تحتاج إلى طواقم طبية متخصّصة متكاملة وتضم أطباء وجراحي عيون وأطباء تخدير وممرضات وفنيين ومساعدين والأهم تجهيزات مخصّصة لجراحة العيون. وبالعادة يعمل طب العيون وطواقمه الطبية في لبنان وكل دول العالم بشكل روتيني وفق دوامات محدّدة ومن خلال غرف عمليات محدودة إذ تغيب عنه الحالات الطارئة الى حد كبير.
لكن ما واجهناه في الأيام القليلة الماضية، يقول جرادي، هو نقص بالطواقم الطبية لجهة الفرق الفنية والمعدات والتخدير والممرضات علماً أن أطباء العيون كانوا متأهبين للعمل على مدار الساعة لكن الكثير منهم كان عاجزاً عن تلبية الحاجات الجراحية.
أحد مراكز العيون على سبيل المثال فيه 6 أطباء عيون جراحين لكنه يحتوي على غرفة واحدة أو غرفتين للعمليات بحسب الحاجة، ومع وقوع هذا الحدث المفاجئ وإصابة الآلاف بعيونهم بات الأطباء عاجزين عن إجراء العمليات لعدم توفر الغرف المجهزة بطواقم كاملة من أطباء تخدير وممرضين ومعدات وغير ذلك. وعليه توزّعت العمليات على غرفتين فقط بدلاً من 5 غرف لنقص الطواقم الطبية. هذه الأمور بالحالات العادية كافية وغير مُربكة لكن الخلل ظهر بسبب الحالة الطارئة التي وقعت ونتج عنها تدفق جرحى العيون. من هنا كانت النداءات بحسب جرادي تتركّز على مد يد المساعدة من خلال إرسال أطقم طبية متكاملة وليس فقط أطباء عيون.
الحالة الطارئة فرضت العجز
مشكلة أخرى تواجه أطباء العيون في لبنان تتمثل بالحالة الطارئة نفسها التي فرضت حال العجز عن تلبية حاجات الجرحى، ويقول أحد أطباء العيون في مركز متخصص لطب العيون على مشارف الضاحية الجنوبية لبيروت أن المراكز المتخصّصة بالعيون مهما بلغ تجهيزها فإنها غير مؤهلة لاستقبال حالات الطوارئ ولا إصابات العيون بأعداد كبيرة.
ويقول في حديثه لـ"المدن" لو شهد أي بلد بالعالم هذا العدد الهائل من جرحى العيون في وقت واحد لعجز عن إجراء العمليات اللازمة لكل محتاجيها" خصوصاً أن عدداً كبيراً من جرحى العيون مصابون بأماكن أخرى من أجسادهم وهذا تحديداً ما تعجز عن التعامل معه مراكز العيون.
ويلتقي كلام الطبيب مع جرادي الذي يوضح بأن في لبنان العديد من المراكز المتخصصة بالعيون وجميعها ذات مستويات عالية وتجهيزات كاملة لكن هذه المراكز تواجه مشكلة جوهرية تعيق تلبيتها للكثير من العمليات. فالمركز المتخصّص بالعيون يستلزم أمرين كي يتمكن من إجراء العمليات، الأول ان يكون مجهز بالطاقم البشري والطبي والمعدات وهذه موجودة لكنها عاجزة عن استيعاب هذا العدد الهائل من جرحى العيون، أما الأمر الثاني فهو أن أغلبية المراكز المتخصصة بجراحة العين غير مؤهلة لاستقبال حالات الطوارئ وإصابات جسدية خطرة قد تستدعي عناية فائقة او تستدعي عمليات أخرى بالوقت عينه لوقف النزيف.
وقد شهدت المستشفيات عموماً ومراكز طب العيون خصوصاً الكثيرمن الحالات التي أصيب أصحابها بالعينين واليدين والرأس في الوقت عينه وبهذه الحالة لا يمكن لطبيب التخدير العمل ما لم تتوفر لديه غرفة عناية فائقة. هذه الحالات المزدوجة أي إصابة العيون بالتزامن مع إصابات اخرى شكلت ضغطاً على أطباء التخدير ومجمل مراكز العيون في لبنان التي تفتقد لغرف العناية الفائقة وهذه هي الأزمة الكبرى.
في المقابل فإن المستشفيات المؤهلة لاستقبال المرضى في العناية الفائقة تواجه مشكلة لكونها ليست معدة لاستقبال حالات العيون لجهة التجهيزات كحال المراكز المتخصّصة بالعيون. وهذا حال الكثير من دول العالم.
باختصار وبحسب المشهد الذي نقله أكثر من طبيب مختص فإن تجهيزات مراكز العيون غير مخصّصة لحالات العناية الفائقة، في حين أن المستشفيات التي تتوفر فيها غرف العناية الفائقة غير مجهزة بمراكز عيون متخصصة وعليه تستمر طوابير الجرحى إلى حين تلبيتهم جميعاً وإن طال الوقت.