المصدر: النهار
الثلاثاء 17 آب 2021 19:46:00
عكّار الحرمان هي اليوم أيضًا عكّار الحداد. لا تزال تستقبل أبناء لها ومنهم خيرة الشباب الطيب والمكافح محملين على النعوش، بعد أن قضوا بانفجار صهريج البنزين في قرية التليل فجر الأحد الماضي، مخلفاً 31 ضحية وأكثر من 80 جريحًا.
اليوم، خطف الموت الشاب الجندي ناجي العبد الله (22 سنة) من قرية خربة شار العكارية، الذي قضى متأثرًا بجروحه في مستشفى الجعيتاوي.
الألم رفيق ناجي؛ كبر على وقع مأساة وتوفي بمأساة أخرى "لم يكن عمره شهورًا حين استشهد والده، العريف في فوج المغاوير عامر العبد الله، ليلة رأس السنة خلال أحداث الضنية عام 2000. يبدو أنّ الموت يطارده"، وفق ما قاله لنا عمّ المغدور عمر العبد الله.
ويروي أنّ ناجي كان موجوداً في المنزل حين انتشر الخبر كالنار في الهشيم، ومفاده أن الجيش صادر صهريجًا للبنزين سعته 60 ألف ليترًا، وترك لأهالي البلدة منه 20 ألف ليترًا، "غادر ناجي فورًا، على أمل أن يعبئ سيارته بالبنزين ليلتحق في اليوم التالي بخدمته العسكرية في قرية أكروم على الحدود مع سوريا، لكنه لم يعد".
أن يلتحق الشهيد عامر وابنه ناجي بالمؤسسة العسكرية ليس استثناء في عوائل عكار، التي تعرف بـ"خزان الجيش اللبناني". إلا أن هذه المحافظة التي تقدّم خيرة شبابها للدفاع عن البلاد، تكافأ بحرمانها المزمن بفقدان شبابها بسبب إهمال وأنانية وسوء إدارة القيّمين على البلاد. عكار التي تشمل 366 قرية تضمّ مستشفى حكوميًا واحدًا فقط، ولو كانت مستشفيات عكار مجهزة لاستيعاب ومداواة هذه الحالات الحرجة، لكان من الممكن التخفيف من تغوّل هذا الانفجار، الذي حصد حتى الساعة 31 ضحيّة وأكثر من 80 جريحاً.
في هذا السياق، يخبرنا العم وهو يتوجه الى مستشفى "الجعيتاوي" لاستلام جثة الفقيد، أن "التقصير أودى بنا الى هنا ولا أستثني أحداً. لقد عانى ابننا حروقًا بالغة أصابت 80% من جسمه. نقل الى مستشفى في حلبا لكنه لم يلق أي عناية، ثم نقلوه الى مستشفى هيكل في طرابلس، فضمدّوا له قليلاً من الحروق، وحجزوا له سريراً في مستشفى الجعيتاوي. بذلوا في "الجعيتاوي" ما بوسعهم لإنقاذ حالته، لكنّه فقدَ القدرة على التنفس وتفشت الأورام في جسمه، وتوفيَ ونحن نحضر أوراقه للعلاج في الخارج".
مختار قرية خربة شار أسعد الأسعد يسألنا: "عن أي شهيد تريدوننا أن نتحدث، شهداؤنا كثر"، متابعًا: "أعان الله أمّه التي أفنت حياتها على تربيته وتربية شقيقته من معاش تعويض الأب، ولم تستطع أن تحقق حلمها في أن تراه عريسًا. كان وحيدها وصغيرها. فقدنا الشاب الخلوق، المسالم، الخدوم، الذي يحبه الجميع. لا كلام يسعفنا للتعبير عن مصابنا".
صديق الشاب حسين فاضل، يشعر بغرابة القدر: "كنا لا ننفصل بتاتًا، أرافقه طوال الوقت إلا في تلك الليلة، لا نستطيع تهدئة رو أمه وشقيقته. ناجي الشاب طيب القلب، صديق الطفولة، لا زلت مصدومًا للغاية لفراقه، ولو عرفت أنّه سيركض لتعبئة البنزين، لمنعته".