عاصفة الإعتراضات تصاعدت بعد "مواكب الاستفزاز".. سلام يتمسّك بمعاييره وتوقعات باقتراب الولادة

بادرت حركة “أمل” إلى تمييز نفسها عن لعبة الشارع فأصدرت تعميمٌا منعت فيه “المشاركة أو القيام بأي تحرك أو نشاط استفزازي” تحت طائلة الفصل من الحركة

بعد أسبوعين فقط من تكليفه وتحفّزه في الساعات المقبلة لاستيلاد الحكومة الأولى في عهد الرئيس العماد جوزف عون، وهي مهلة قياسية في تجارب تشكيل الحكومات حتى لو طرأت عوامل تملي تمديدها بعض الوقت، وجد الرئيس المكلف نواف سلام نفسه أمس وسط حقل ألغام سياسياً وحزبياً وطائفياً بكل المقاييس الحاملة نذر تصعيد سياسي واسع ألزمه التريث مجدداً في اندفاعته التي يترقبها الرأي العام اللبناني والخارجي بتشوّق لكن دون معايير الصراع السياسي الناشب من حول مهمة سلام. ولكن حقل الألغام هذا لم يحل دون معطيات حافظت على منسوب عالٍ من التفاؤل في إمكان تذليل العقبات وإنجاز التشكيلة الحكومية في الساعات المقبلة. كما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري أن لا مشكلة مع نواف سلام والحكومة هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل.

والحال أن الساعات الـ48 الأخيرة بدت كأنها استقدمت عناصر التوتير السياسي الذي واكب تطورات الجنوب والملابسات التي نتجت عن مواكب الاستفزاز والتحديات التي تولاها أنصار “حزب الله” في مناطق عدة لخصومهم، الأمر الذي أشاع انطباعات سلبية وتسبّب بتشظي مهمة الرئيس المكلف وإصابتها بتداعيات مباشرة لم تكن في الحسبان. ونظرت معظم الأوساط إلى هذه الحركة المفتعلة الاستفزازية باعتبارها رسائل من الحزب إلى العهد ورئيس الحكومة المكلف وفاقم أثرها السلبي إعلان رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور إلغاء جميع مشاريعه الاستثمارية في لبنان.

صحيح أن عقدة منح الشيعة حقيبة المال كانت تعتمل بعمق في مواقف وحسابات القوى الأخرى بعدما مال الرئيس سلام إلى التسليم بمنحها لـ”المرشح الحصري” ياسين جابر بقوة الضغوط التي مارسها رئيس مجلس النواب نبيه بري بالشراكة في حجز الحصة الشيعية للثنائي “أمل” و”حزب الله”، لكن سلام كان يدأب على استكمال مهمته بمسعى التوازن بين معايير إحداث الصدمة الإيجابية وتجنب الخضّات.

ووسط هذا الاعتمال بدا “حزب الله” كأنه تعمد إغراق الرئيس المكلف في حصار الألغام من خلال الذهاب بعيداً في استفزاز الخصوم في لحظة خاطئة وطنياً الا إذا صح ما فسره بعضهم من أن الحزب أراد توجيه ضربة إلى سلام وداعميه الداخليين والخارجيين لإثبات حفاظه على نفوذ الفيتو الداخلي بعدما أستهين بقوته جراء الضربات الإسرائيلية القاسية.

في أي حال ما إن سرت المعلومات عن اتجاه الرئيس سلام إلى زيارة بعبدا أمس أو اليوم حاملاً تشكيلة حكومية شبه ناجزة لا تحتاج إلا إسقاط ما تبقى من أسماء قليلة على الحقائب، حتى اشتعل حقل الحسابات والمواقف المحتقنة على خلفية حصرية مفادها إما مواجهة “المكانة المتميزة” التي تردّد أن الرئيس المكلف سلم بمنحها إلى الثنائي الشيعي، وإما حصول الافرقاء الآخرين، بالمثل وأكثر، على ما يوازي حصة الثنائي حقائب وأسماء. بذلك جنحت عملية التأليف برمتها إلى حقل الألغام والمحاذير التي لا يحتملها الرئيس المكلف إذ أن العقدة الشيعية استدرجت عِقداً مسيحية سواء لدى “القوات اللبنانية” التي تحفظت بقوة على منح حقيبة المال للثنائي الشيعي كما طالبت بحقائب أساسية سيادية وخدماتية، كما لدى “التيار الوطني الحر” الذي ابتكر رئيسه أكثر المعادلات غرابة بمطالبته احتساب عدد نوابه على أساس العدد الأصلي بعد الانتخابات ومن دون الأخذ بالاعتبار انفصال واستقالة وفصل أكثر من ستة نواب من تكتله. كما تفجر من عكار صراخ سنيّ على خلفية إنمائية بحجة الاعتراض على إقصاء مفترض استباقي للمنطقة عن التمثيل الوازن في الحكومة.

وإذ برزت بقوة الاصداء الشديدة السلبية للعبة الاستفزاز الفتنوي التي مارستها مواكب أنصار “حزب الله” في العبث بعملية تشكيل الحكومة، بادرت حركة “أمل” إلى تمييز نفسها عن هذه اللعبة فأصدرت تعميمٌا منعت فيه “المشاركة أو القيام بأي تحرك أو نشاط استفزازي” تحت طائلة الفصل من الحركة.

أما في السياسة، فبادر رئيس الحكومة المكلف نواف سلام إلى محاولة احتواء العاصفة المتصاعدة، فكتب على صفحته على منصة “أكس”: “تعليقاً على كل ما يتردد في الإعلام حول تشكيل الحكومة لجهة موعد إعلانها والاسماء والحقائب، يهمني أن أؤكد مجدداً، أنني فيما أواصل مشاوراتي لتشكيل حكومة تكون على قدر تطلعات اللبنانيات واللبنانيين تلبي الحاجة الملحة للإصلاح، لا أزال متمسكا بالمعايير والمبادئ التي أعلنتها سابقا”. أضاف: “كما أعود وأؤكد أن كل ما يتردد عارٍ عن الصحة وفيه الكثير من الشائعات والتكهنات يهدف بعضها إلى اثارة البلبلة. فلا أسماء ولا حقائب نهائية. أما بالنسبة إلى موعد إعلان التشكيلة، فإنني أعمل بشكل متواصل لإنجازها”.

وكانت المعلومات أفادت أن “القوات اللبنانية” أبلغت سلام بأنها ستسمي وزراءها وتسقطهم على الحقائب إذا كان الثنائي الشيعي سيفعل ذلك، كما أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل أبلغه أنه في حال كانت القوات ستطلب أربع حقائب فهو يريد خمس حقائب. ثم فجّر عضو “تكتل الاعتدال الوطني” النائب وليد البعريني موقفاً حادا قائلاً: “سكتنا لأيام وأعطينا فرصة للرئيس المكلف لكي يكمل استشاراته، لكن أن يمنح الذين هزوا العصا وحرّكوا موتوسيكلاتهم واستعملوا اسلوب الترهيب أكثر مما يحق لهم ويتم تجاهلنا كممثلين عن عكار وطرابلس والمنية والضنية والشمال، فهذا تجاوز لكل الخطوط الحمر”. ودعا الرئيس عون الى “تصحيح المسار بصفته الضمانة وإلا ستكون هناك انتفاضة في وجه تهميشنا”، وهدّد بأنه “لم يعد أمامنا سوى المطالبة بالفدرالية، وعندها ندبر كعكاريين شؤوننا بأنفسنا ونعرف أن لا دولة تتطلع فينا بل نتطلع بأنفسنا”. واستتبع هذا الموقف بزيارة وفد من “كتلة الاعتدال الوطني” ضم النائبين محمد سليمان ووليد البعريني للرئيس نواف سلام مساء في دارته.