المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الاثنين 29 أيلول 2025 11:21:57
عامٌ على الحرب: ضاحيةُ الحُزن لم تتعافَ بعد!
عام كامل مضى منذ السابع والعشرين من أيلول 2024، تاريخ اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله. في ذاك اليوم، وضعت إسرائيل الخرائط الأولى التي طلبت فيها من سكّان الضاحية إخلاء المباني التي ستُقصف. وحلّ بعدها كابوس الحرب على هذه المنطقة التي حفر في ذاكرتها تاريخ تموز من العام 2006.
منطقة مُدمرة
هجر سكّان الضاحية منازلهم. نزحوا على عجل. وعادوا بعد أشهر إلى منطقة يحاولون التعرف إليها مُجدّدًا. اليوم، وبعد مرور أشهر على هذه العودة، يحاول الأهالي استعادة جزء بسيط من روتينهم الطبيعيّ. لم تتعافَ المنطقة بعد، وعلى ما يبدو هي تحتاج إلى سنوات طويلة لتعود كما كانت، على الرغم من إصرار السكان على ضخّ الحياة فيها.
مئات المباني سُوّيت بالأرض واختفت. آلاف الوحدات السكنية تضرّرت. لم تبدأ عملية الاعمار، بل رُمّمت بعض المباني في شكل بسيط. أزيل الردم فقط من الطرقات التي تكسّرت بسبب الغارات الإسرائيليّة العنيفة.
مشهد واحدة يتكرّر في معظم شوارع هذه المنطقة. جرافات تعمل بشكل يوميّ لإزالة ركام المباني المدمّرة وتوسيع الطرقات أمام السيّارات. رائحة الغبار منتشرة في المنطقة بأكملها، وصوت واحد يطوّقها: المسيرات الإسرائيليّة. هذا الصوت الذي لم يفارق الأهالي منذ أكثر من تسعة أشهر.
جالت "المدن" في الضاحية الجنوبيّة. الكثير من الأحياء خالية من سكانها، بسبب اختفاء منازلهم عن الخرائط. زحمة سيرٍ في بعض الشوارع بسبب صعوبة مرور السيارات وسط الدمار.
الخوف من حرب جديدة
في منطقة السانت تريز، التي تعرّضت لعشرات الغارات الكثيفة، أزيل ركام المباني المُدمرة بأكمله، لكن لم تبدأ عملية اعمار أي منها.
يقول علي لـ"المدن": "تبدأ الجرّافات العمل منذ السابعة صباحًا. عُدنا منذ أشهر إلى منزلنا في منطقة الجاموس ورممناه. تضرّر مرّة أخرى بسبب الضربات الإسرائيليّة الأخيرة على المنطقة، وقمنا بإصلاحه للمرّة الثانيّة. الحياة هنا موحشة ولم تعد كما كانت.
شبكة الاتصالات مقطوعة ولم يجرِ إصلاحها بعد. حتى أنّ العديد من الجيران لم يعودوا إلى منازلهم، وبقوا في الشقق السكنية التي استأجروها خارج الضاحية. والكثير من أهالي المنطقة يفكّرون في المغادرة خوفًا من تجدّد الحرب الإسرائيليّة وتدمير ما تبقى من شقق سكنية".
تركّزت الاستهدافات الإسرائيلية في شكل كثيف في بعض المناطق. تحوّلت الأبنية إلى حفرٍ عميقة بيضاء اللون. والمحال التجارية المحيطة بها لم تفتح بعد.
يحاول الأهالي استعادة الحياة في المناطق المجاورة لها. عشرات اليافطات رفعت فوق الركام، لتدلّ الزبائن إلى انتقال محالهم التجارية إلى شوارع أخرى بسبب الدمار.
وعلى شرفات الشقق السكنية تُرفع يافطات يُعلن فيها عن عرض الشقق للبيع بأسعار مغرية. وفي المبنى نفسه، تقف شاحنة لنقل الأثاث إلى خارج الضاحية.
على طول خط أوتوستراد هادي نصرلله، فتحت كل المحالّ التجارية منذ أشهر، تُزيّن بأعلام لحزب الله وبصورٍ لقادة الحزب. أما في منطقة صفير، التي تعرضت لعشرات الضربات، فتستمر أعمال إزالة الردم وإصلاح الطرقات وتنظيفها. بعض المحلات أقفل بشكل دائم خوفًا من أن تتضاعف خسائرها المادية مرة جديدة. وأمام بعض المباني المدمرة، تتمركز عربات خشبية لبيع الخضار أو الحلويات العربية.
قلق دائم
تبدّلت ملامح الضاحية عما كانت عليه في العام 2024. سُرقت الحياة منها على الرغم من كل محاولات الأهالي. يطغى الصمت في ساعات الليل فتصبح كالمناطق المهجورة.
الشعور السائد هنا هو عودة شبح الحرب. والخرائط الفُجائيّة تُفاقم القلق لدى الأهالي. لذلك، تستمر محاولات البعض منهم للتفتيش عن مكانٍ آخر للنزوح إليه. حتّى أنّ حقائب النزوح التي أفرغت بعد انتهاء الحرب، أعيد توضيبها مُجدّدًان خوفًا من يحلّ كابوس الحرب عليهم.
هكذا تبدو الضاحية اليوم، تحاول النهوض رغم الدمار. وفي كل مرة يشعر فيها الأهالي بقليل من الأمان، تُحلّق المسيرات فوق رؤوسهم، وكأنها تقول لهم أن الكابوس لم ينته بعد.