عبر "برنامج إصلاحات واسع".. هل تستعد السلطة الفلسطينية للعودة إلى غزة؟

تتجه السلطة الفلسطينية نحو إقرار سلسلة إصلاحات واسعة، تشمل مجالات الأمن والقضاء والإدارة، في خطوة، تأتي تزامنا مع تصاعد دعوات أطراف دولية لها بالاستعداد لتولي مسؤولية إدارة غزة، بعد نهاية الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس.

ويتضمن برنامج الإصلاح الذي قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، إنه جاء بتوجيه من رئيس السلطة الفلسطينية، مجالات ترتبط بالمنظومة القضائية والأمنية والإدارية والمالية، من خلال أكثر من 20 قرارا وإجراء جديدا.

ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية، قولهم إن "الولايات المتحدة طلبت هذه الإجراءات"، بما يتماشى مع الخطط التي دفعت بها من أجل "إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية" لإدارة غزة بمجرد انتهاء الحرب.

وقال مسؤول فلسطيني كبير للصحيفة، إن الإصلاحات الجديدة تحمل رسالة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأن الفلسطينيين مستعدون لـ"إجراء تغييرات جوهرية، بدعم دولي".

تفاصيل خطة الإصلاح

ومن أبرز الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها السلطة التي تدير الشؤون الفلسطينية بالضفة الغربية، تعيين محافظين جدد بعد قرار الرئيس محمود عباس، في أغسطس الماضي، عزل معظم محافظي السلطة الفلسطينية، إضافة إلى إعادة هيكلة مجموعة من الخدمات التي تقدمها الحكومة للفلسطينيين.

علاوة على إعادة هيكلة قوى الأمن وتطوير وصفها الوظيفي وحوكمة مرجعيتها ومرجعية هيئات الأمن، وفتح المنافسة أمام وسائل الإعلام، وإقرار حرية الوصول إلى المعلومات.

عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، عمر الغول، يؤكد أن الإصلاحات الجديدة كانت مطروحة منذ مدة، غير أن الإعلان عنها الآن يتزامن مع مطالبات القوى الخارجية بالتفكير في اليوم التالي للحرب.

ويؤكد الغول في تصريح لموقع "الحرة"، أن الدافع الأساسي وراء التعديلات الجديدة يتمثل في "تصحيح شؤون البيت الفلسطيني"، معتبرا أنها  "طبيعية جدا"، لا سيما وأن أي سلطة أو مؤسسة أو دولة "تحتاج بين الحين والآخر إلى إعادة نظر وقراءة في التطورات التي تشهدها مؤسساتها ووزاراتها وأجهزتها".

وتشمل خطة الإصلاح التي تقترحها السلطة الفلسطينية أيضا تعيين قضاة جدد في المحكمة الإدارية العليا وسفراء جدد لملء المناصب الشاغرة، وإدخال تحسينات على هيئة مكافحة الفساد، بالإضافة إلى إخراج قوانين تخص الخدمة المدنية وضريبة القيمة المضافة والمنافسة الاقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، تفتح التعديلات الجديدة المجال لإعادة هيكلة ودمج بعض الدوائر الحكومية، وإنشاء شركة مياه وطنية ومعالجة الديون المترتبة على جهات عديدة المتعلقة بفواتير المياه والكهرباء، وإقرار تغييرات في وزارة الصحة.

وأفاد رئيس الوزراء الفلسطيني، بأن برنامج الإصلاح الذي تعمل الحكومة على إنجازه، قدّم للعديد من الدول ولاجتماع المانحين الذي عقد في شهر سبتمبر الماضي.

المحلل السياسي الفلسطيني، زيد الأيوبي، يعتبر أن الخطوات الإصلاحية الجديدة "امتداد لخطة وضعتها السلطة الفلسطينية قبل 3 سنوات"، من أجل تطوير أداء المؤسسات الفلسطينية وجودة الخدمة التي تقدم للمواطن الفلسطيني.

ويورد الأيوبي في تصريح لموقع الحرة، أن الخطة "اعترضتها معيقات، من بينها الانقسام وتعنت حماس في غزة، ومؤخرا اندلاع الحرب، ما أجل الحديث عنها مرة أخرى لأشهر".

ويضيف أن أصواتا كثيرة من داخل السلطة الفلسطينية، تعالت للمطالبة بضرورة تحديث وتطوير وتقديم السلطة كنموذج قادر على تدبير الملفات والقضايا التي تواجهه، خصوصا بعد اتهامات حكومة نتانياهو المتطرفة للسلطة بالضعف وغيرها من الاتهامات.

"ضغوط وترتيبات"

وتواصل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الضغط على السلطة الفلسطينية، لإجراء إصلاحات حتى يكون لها دور في قطاع غزة، فيما تضغط على حكومة نتانياهو، للموافقة على مناقشة خطة ما بعد الحرب في غزة، وكيف يمكن أن تكون السلطة الفلسطينية جزءا من حكومة مستقبلية هناك، بحسب تقرير لموقع "أكسيوس"، الأحد.

ومنذ الأيام الأولى لاندلاع حرب السابع من أكتوبر، أكد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بوضوح أنه يريد أن يرى السلطة الفلسطينية التي يديرها عباس منذ 2005 تتولى المسؤولية في غزة بمجرد انتهاء الصراع، بعد إعادة هيكلتها، وتوحيد إدارة غزة مع الضفة الغربية.

في هذا الجانب، يقول الأيوبي، إن الإصلاحات الأخيرة ترتبط بمطالبات بعض الأطراف الدولية، بضرورة تطوير أداء السلطة وتقويتها، مؤكدا أن قيادة السلطة اتخذت "قرارا جديا بضرورة إرساء آليات تحديث وتطوير مؤسسات السلطة لتكون نموذجا حقيقيا، يصلح لأن يكون نواة  للدولة الفلسطينية، في ظل الحديث عن إمكانية الدخول في مسار سياسي إسرائيلي فلسطيني بعد الحرب، يفضي لإقامة الدولة الفلسطينية".

وأعلنت السلطة الفلسطينية استعدادها للعودة إلى قطاع غزة الذي تحكمه حماس منذ عام 2007، في إطار خطة سياسية شاملة، تتضمن الوحدة ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وفي سياق حل سياسي يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية.

والأسبوع الماضي، أوردت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن مسؤولين كبارا في الولايات المتحدة وإسرائيل ودولا عربية يسعون إلى صياغة ثلاث اتفاقيات متوازية، ولكنها مترابطة تتضمن ثلاثة محاور.

المحور الأول يتمثل بإنهاء القتال في غزة والثاني وضع اللمسات الأخيرة على وضع القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، وأخيرا تحديد الالتزامات المتعلقة بإنشاء دولة فلسطينية.

ويركز المحور الثاني، على إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية، حيث يبحث المسؤولون الأميركيون والعرب لإعادة هيكلة قيادتها من أجل تهيئتها لحكم قطاع غزة بعد الحرب، بدلا من حماس أو إسرائيل.

وفي سياق متصل، ذكر موقع "أكسيوس"، أن "كبار مسؤولي الأمن القومي من السعودية والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، اجتمعوا سرا في العاصمة السعودية الرياض، قبل نحو 10 أيام، لمناقشة مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة".

وأورد الموقع نقلا عن مصادر وصفها بـ"المطلعة"، أن رؤساء الأجهزة الأمنية السعودية والمصرية والأردنية، أبلغوا فرج بأن "السلطة الفلسطينية بحاجة إلى إجراء إصلاحات جدية، تمكّنها من تنشيط قيادتها السياسية".

وكان أحد الطلبات التي قدموها، هو أنه إذا تم تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، فإن "رئيس الوزراء الجديد يجب أن يحصل على بعض الصلاحيات التي كانت مركزية في السنوات الأخيرة من عهد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس".

وقال أحد المصادر، إن السعوديين والمصريين والأردنيين "أكدوا أن هذه الإصلاحات ضرورية، حتى تعود السلطة الفلسطينية إلى تسلم مقاليد الحكم في قطاع غزة، عقب فترة انتقالية بعد انتهاء الحرب".  

وتسعى الأطراف الدولية لإقرار  إصلاحات داخل السلطة  الفلسطينية التي تراجعت شعبيتها كثيرا في صفوف الفلسطينيين، وأيضا تراجع شعبية رئيسها، عباس.

وشدد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بعد لقاء جمعه  بهذا الأخير، مطلع الشهر الجاري على "أهمية إصلاح السلطة الفلسطينية وسياساتها وحوكمتها لكي تتمكن بفاعلية من تولي مسؤوليتها في غزة"، مجددا تأكيد تأييد واشنطن لإقامة دولة فلسطينية.

وأضاف "من المهم جدا بالنسبة للشعب الفلسطيني أن تكون لديهم إدارة يمكن أن تكون فعالة وأن تساعد في تحقيق نتائج لهم. وأعتقد أن الرئيس عباس ملتزم بالقيام بذلك".

وأشار بلينكن إلى أنه ناقش مع عباس "أهمية إصلاح السلطة الفلسطينية وسياستها وإدارتها حتى تتمكن من تحمل مسؤولية غزة بشكل فعال، بحيث يمكن إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت قيادة فلسطينية".

وتابع "من الواضح جدا بالنسبة لي أن الرئيس عباس مستعد للمضي قدما والمشاركة في كل هذه الجهود".

في هذا الجانب، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، أن المحاولة الإصلاحية الجديدة، تأتي لاستباق أي مطالب إصلاح أميركية حتى تظهر عملية الإصلاح أنها داخلية وليست مفروضة على السلطة، مشيرا إلى أن بلينكن طالب في زيارته الأخيرة إلى المنطقة من أجل إقرار إصلاحات تطال كل القطاعات بما يؤسس لمرحلة إجراء الانتخابات.

ويؤكد المحلل السياسي، أن هذه الإصلاحات تندرج أيضا ضمن استعدادات السلطة للاضطلاع بأدوار في اليوم التالي للحرب، مؤكدا للعودة لقطاع غزة من أجل ملء الفراغ الاقتصادي والخدماتي والاجتماعي وجهود إعادة الإعمار.

هل يحدث تغيير في موقف نتانياهو؟

وتعارض الحكومة الإسرائيلية بشدة فكرة عودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة. ويتمسك رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو ومسؤولون آخرين، بهذا الموقف، منذ الأيام الأولى للحرب، رغم الضغوط الغربية.

عن إمكانية حدوث تغير في الموقف الإسرائيلي على ضوء الإصلاحات التي أطلقتها السلطة، يقول  المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن، إن رفض الحكومة الإسرائيلية الحالية لإدارة قطاع غزة من طرف السلطة الفلسطينية "مبدئي ولا يرتبط باعتبارات أو شروط معينة مثل إدخال إصلاحات على السلطة الفلسطينية".

ويشير شتيرن في تصريح لموقع "الحرة"، إلى أن حكومة نتانياهو لا تريد عودة السلطة إلى غزة، ولو حتى بطريقة شكلية، مشيرا إلى أنها تخشى أن سيطرتها على كل المناطق الفلسطينية، يجعلها مهيأة لأن تتقدم نحو المرحلة القادمة التي تعني الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه الحكومة الحالية بشكل أساسي.

ويقول المحلل الإسرائيلي، إن أي خطوة قد تعلن عنها السلطة الفلسطينية كحل وسط لهذه القضية لن تسهم في تحقيق أي انفراجة لموقف الحكومة الحالية الرافض لإقامة دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل، بل تريد (الحكومة) السيطرة على غزة إسرائيليا وألا يقوم أي كيان سياسي جديد.

ويورد المحلل الإسرائيلي، أن "من مصلحة الحكومة الإسرائيلية، أن تبقى السلطة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة بين غزة والضفة، حيث أن توحيد إدارة الساحتين يعاكس طموحاتها".

في المقابل، انتقد محللون إسرائيليون الإصلاحات الفلسطينية الجديدة، معتبرين أنها ستترك نفس القيادة في السلطة ولن تغير سوى القليل على أرض الواقع، كما أنها لا ترقى إلى مستوى التحركات الضرورية لإعادة بناء الثقة فيها.

وقال منتقدون لحزمة الإصلاحات التي أعلن عنها اشتية، لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، إنها "لا تزيد عن كونها إجراءات تجميلية تهدف إلى استرضاء الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي".

في هذا السياق، تقول الباحثة في شؤون الشرق الأوسط وعضو الكنيست السابق، كسينيا سفيتلوفا: "قد يطردون بعض الأشخاص هنا وهناك، لكن ما لم يكن هناك تغيير حقيقي وهيكلي في القيادة ودماء جديدة قادمة - فلن يكون لهذا أي تأثير بأي حال من الأحوال".

وقالت: "من الصعب تصديق أنها صفقة حقيقية لإصلاح السلطة الفلسطينية"، معتبرة أنهم  "يحتاجون إلى التخلص من جميع الأجهزة الفاسدة التي تقودها، والبدء في بناء مؤسسات دولة جديدة، وإجراء انتخابات".