المصدر: الحرة
الخميس 23 كانون الثاني 2025 11:11:06
تكريس لحالة "الفوقية البيضاء" حيث قيمة حياة الرجل "الأبيض أعلى بكثير من حياة المواطن" السوري، بهذه الكلمات عبرت الناشطة السورية وفاء مصطفى عن "غضبها وحزنها" من واقع تعامل الإدارة السورية الجديدة مع ملف المعتقلين السوريين.
وانتقدت الشابة التي اعتقل والدها عام 2013 وما زال مصيره مجهولا، رئيس الإدارة الجديدة أحمد الشرع، بتجاهله لمحاولاتها بتنظيم لقاء يجمعه مع عدد من عائلات المعتقلين السوريين.
وقالت في مقطع مصور عبر حسابها في إنستغرام "أكثر من شهر ونصف على سقوط نظام الأسد" التقى خلالها الشرع بالعديد من الوفود الدبلوماسية الغربية والعربية، ومسؤولين أمميين، ونشطاء ومؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي ووالدة المعتقل الأميركي، أوستن تايس.
وأعربت عن تعاطفها مع أوستن ووالدته، متمنية العثور عليه وعودته سالما.
ويشكل مصير عشرات آلاف السجناء والمفقودين أحد أكثر التركات المروعة لحكم عائلة الأسد.
ومن خرجوا من السجون خلال الأسابيع القليلة الماضية، يشكلون نسبة قليلة من إجمالي المعتقلين منذ العام 2011 والذين يقدر عددهم بأكثر من مئة ألف، بحسب ما أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن لموقع "الحرة".
ويدعم عبد الرحمن الانتقادات الموجهة إلى الإدارة الجديدة في دمشق، مشيرا إلى أن الشرع "استغل ملف المعتقلين، خاصة مع فيديوهات الفظائع التي انتشرت عن صيدنايا، للحصول على دعم وتعاطف دولي".
وأضاف عبدالرحمن أن "الشرع اهتم بشكل كبير في الملفات المرتبطة بالعلاقات الدولية، لكن ملف المعتقلين يتم تجاهله، ولا يتم إعطاؤه الأولوية التي يستحقها".
وكرر الشرع تصريحاته أنه لن يتم العفو عن المتورطين بـ"تعذيب المعتقلين" في السجون السورية.
وقال "لن نعفو عمن تورط بتعذيب المعتقلين وتصفيتهم.. وسنلاحقهم في بلدنا" مطالبا الدول "بتسليمنا من فر إليهم من هؤلاء المجرمين لتحقيق العدالة".
العبث بـ "مسارح جريمة"
وأجبر معتقلون على نقل جثث، وترك آخرون من دون علاج حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، وتعرض كثر للتعذيب والضرب المبرح، وفقا لتقارير وشهادات معتقلين سابقين.
وأكد عبدالرحمن أن المرصد السوري استطاع توثيق مقتل أكثر من 76 ألف شخص تحت التعذيب في سجون الأسد، وتشير تقديرات إلى أن العدد يتجاوز الـ 105 آلاف شخص.
وقال إن هناك عشرات الآلاف من المعتقلين، إذ تشير تقديرات إلى 70 ألف شخص، ولكن العدد بالتأكيد يتجاوز ذلك بكثير، مشيرا إلى وجود أكثر من 50 سجن ومعتقل في سوريا.
ودان مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا، غير بيدرسون في ديسمبر الماضي الفظاعات التي شهدها سجن صيدنايا ومراكز الاحتجاز الأخرى في هذا البلد ونشرت صورها، وقال إنها تعكس "الوحشية التي لا يمكن تصورها" التي عانى منها السوريون لعقود.
وأضاف أنه رغم فظاعة الصور إلا أنها "لا تمثل سوى جزء بسيط من أهوال نظام السجون".
ويقر عبد الرحمن بأن ملف المعتقلين من أصعب الملفات بعد مرحلة سقوط نظام الأسد، ولكن الإدارة الحالية لا تتعامل معها بجدية، فيما يتم العبث بالسجون، وعدم إيلاء الأهمية لتوثيق الجرائم.
وشدد على أهمية الاستفادة من الخبرات الفنية للدول الأخرى برصد وتوثيق الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، متسائلا عن مصير الوثائق التي عثر عليها في الفروع الأمنية المختلفة.
وتساءلت الناشطة وفاء مصطفى "ما الرسالة التي تريد الإدارة الجديدة إرسالها بعدم لقاء عائلات المعتقلين السوريين؟".
وأصبحت الناشطة السورية، أيقونة للمدافعين والمطالبين بإطلاق سراح المعتقلين والمغيبين قسريا، والتي تطالب بالكشف عن مصير والدها علي مصطفى الذي تعرض للاعتقال في 2013.
وترى وفاء أن لقاء الإدارة الحالية بعائلة معتقل أميركي قبل لقاء عائلات المعتقلين السوريين، هي "رسالة خطيرة على كل المستويات السياسية والإنسانية والاجتماعية".
وقالت إن الإدارة الحالية لم تصدر أي توضيحا بشأن خارطة الطريق للتعامل مع ملف المعتقلين والمفقودين، مشيرة إلى أن ما تم تداوله بشأن طلاء جدران معتقلات في اللاذقية وتزيينها، يمثل عبثا بـ "مسارح جريمة".
ومن أكثر اللحظات إلهاما، لوفاء، هي التي ألقت فيها كلمة أمام مجلس الأمن الدولي للحديث عن مأساة المعتقلين في بلادها بحضور مندوب النظام السوري في مارس من 2021.
ودعا بيدرسون إلى اتخاذ إجراءات لدعم السجناء المفرج عنهم وأقربائهم.
وأضاف المبعوث الأممي "عائلات المعتقلين والمفقودين والمفرج عنهم مؤخرًا بحاجة إلى دعمنا العاجل، وذلك يشمل الرعاية الطبية والدعم النفسي والمساعدة القانونية والمأوى الآمن".
كما دعا جميع الأطراف والمنظمات المتخصصة ذات الصلة إلى إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية للأفراد المفرج عنهم مؤخرا والأسر التي ما زالت تبحث عن أحبائها، ومنح "المراقبين المستقلين إمكان الوصول بدون عوائق".
كما أشار إلى ضرورة "الحفاظ على الأدلة وتوثيقها بدقة" لتحديد المسؤوليات.
وشدد بيدرسون على أن "عدالة للضحايا وأسرهم ليست مجرد حق، بل إنها ضرورية أيضا للتعافي ومنع مزيد من الانتهاكات".
التقط المصور السابق في دائرة التوثيق التابعة للشرطة العسكرية السورية والذي يعرف باسم "قيصر"، صورا لجثث معتقلين في مستشفيات عسكرية سورية، وبينها مستشفى تشرين، أظهرت التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون.
و"قيصر" هو الاسم المستعار للمصور الذي انشقّ وخاطر بحياته لتهريب 53275 صورة لجثث معتقلين سوريين بينهم امرأة، في مراكز احتجاز سورية إلى خارج البلاد منذ العام 2013.
وكشف أسامة عثمان الذي يرأس مجلس إدارة منظمة "ملفات قيصر للعدالة" أنه هو من قام بتهريب أرشيف التعذيب السوري.
واقتبس اسمه لما عرف فيما بعد باسم "قانون قيصر" في الولايات المتحدة والذي نص على عقوبات اقتصادية ضد سوريا.
حتى لا "تتكرر أخطاء الماضي"
ويرى عبدالرحمن أن ملف المعتقلين كان سببا في العقوبات الأميركية، ولهذا على الشرع التنبه إليه جيدا، وعدم تكرار أخطاء النظام السابق.
وذكر أنه تم توثيق "اعتقال أكثر من تسعة آلاف شخص، بذريعة انتمائهم للنظام السابق" من قبل القوات التابعة للإدارة الحالية، فيما انتشرت العديد من المقاطع المصورة "لانتهاكات بحق أشخاص بحجة أنهم ينتمون للنظام السابق".
ودعا مدير المرصد، إلى عدم اتباع سياسات انتقامية ضد السوريين، ومن ارتكب أي جريمة يجب محاسبته في محاكم رسمية بطريقة عادلة حتى لا نكرر ما حصل في البلاد لعشرات السنوات، حيث كانت تقام محاكمات صورية لمجرد الانتقام.
وتنظم السلطات الجديدة في مناطق مختلفة حملات أمنية تقول إنها لملاحقة "فلول ميليشيات الأسد"، ونفذت اعتقالات، لكن بعض السكان والمنظمات أفادوا لوكالة فرانس برس عن انتهاكات تتضمن مصادرة منازل أو إعدامات ميدانية.
كما انتشرت مقاطع فيديو تظهر عمليات تعذيب وإهانة لمعتقلين على يد السلطات الجديدة، لم يتم التحقق من صحتها.
الفنان السوري، مازن الناطور انتقد في مقابلة مع قناة "الحرة" ممارسات وثقتها مقاطع فيديو لعمليات القبض على عناصر من النظام المخلوع من المتهمين بارتكاب انتهاكات بحق السوريين، داعيا إلى محاكمتهم وفق الأصول.
وقال "رفقا بالمجرمين، لن نكون كالمجرم الأسبق"، في إشارة إلى الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، الذي اشتهر نظامه بممارسة صنوف التعذيب القاسية في السجون.
ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى تحقيق "العدالة الانتقالية" في سوريا، معتبرا أن الأمر "بالغ الأهمية" بعد تسلم إدارة جديدة السلطة في البلاد.
وقال تورك خلال مؤتمر صحفي في منتصف يناير من دمشق إن "العدالة الانتقالية أمر بالغ الأهمية مع تقدم سوريا نحو المستقبل ... الانتقام والثأر ليسا أبدا الحل".
وأضاف تورك "يجب التحقيق بشكل كامل في حالات الإخفاء القسري، والتعذيب، واستخدام الأسلحة الكيميائية، وغيرها من الجرائم. وبعد ذلك، يجب تحقيق العدالة بشكل عادل وحيادي".
في الثامن من ديسمبر الماضي، تابع السوريون مشاهد تحرير معتقلين من السجون.
تلك المشاهد، أفرحت قلوب الكثير من العائلات بعودة أحبابهم.
ولكن العديد ممن لا يعلمون مصير أبنائهم من المعتقلين، يحملون ما يكفي من الأمل لسماع أخبار تفرحهم وتبرد لهيب الحنين إلى أحبابهم.