المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الأربعاء 10 تموز 2024 19:53:56
يوميًا، تمارس السلطات اللبنانيّة فن "الاحتيال". هذه العبارة لا تحتاج إلى كثير من الشروحات، فالمنظومة السياسية خلال العقود الماضية مارست الحنكة والمراوغة على شعب كامل دفاعًا عن منافعها الخاصة ونفوذها.. إلى أن ترسخت ثقافة الدجل والتكاذب والاحتيال. وعليه، أن ينتحل أي مواطن لبنانيّ صفة "قاض" أمام رفاقه وبعض المواطنين، فهذا أمر "طبيعي" قد يحدث. لكن أن تنتحل مجموعة مؤلفة من أربعة رجال صفة "قاض دولي"، وتخدع شخصيات سياسيّة بارزة في لبنان وقضاة، فهذا مشهد عبثي للغاية، ونقطة سوداء تضاف لسجل الدولة اللبنانيّة.
عصابة مُحترفة!
خلال الأشهر الماضية، زار وفد من "المحكمة الدولية لتسوية المنازعات"، مجموعة من السياسيين في لبنان، وهم: "(د.خ)، (ر.أ)، (ر.ش)، (أ.ت)، للتباحث في الملف اللبناني وقضية النزوح السوري، وملف الانتخابات اللبنانيّة وغيرها. لكن المفاجأة غير متوقعة، أن "القضاة" ليسوا بقضاة من المحكمة الدولية، بل هم عصابة انتحلت هذه الصفة منذ أكثر من عامين للإيقاع بالعدد الأكبر من السياسيين وبأهل القضاء والقانون أيضًا.
في الواقع، تتوزع مقرات المحكمة الدولية لحل المنازعات في بعض الدول الأوروبية، ولكن المؤكد أنها لا تتواجد نهائيًا في لبنان، إلا أن المجموعة أوهمت الجميع أنها تعمل في الوحدة القضائية الخاصة بمكافحة الفساد لتحقيق العدالة الدولية، والتحقيق والتحكيم بالنزاعات السياسية والتجارية الدولية.
عمليًا، امتلك أفراد هذه العصابة الوقت الكافي للتلاعب بالسياسيين، ويمكن القول أنهم يستحقون جوائز في فن الاحتيال والنصب! ففي بادئ الأمر، شكّلوا مجموعة مؤلفة من أربعة أشخاص، وشاركوا في بعض المؤتمرات الحقوقيّة والندوات ودافعوا عن حقوق القضاة في لبنان، وعرضوا بعض الحلول لمعالجة الواقع المعيشي للقضاة، والتقطوا صورًا تذكارية بجانب بعض قضاة لبنان. ومن ثمّ انتقلوا إلى الخطوة الثانية وهي زيارة الشخصيات السياسيّة، فزاروا الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، النائب طوني فرنجية، الرئيس تمام سلام، واللواء أشرف ريفي..
ولعل الفضيحة "الدسمة" أن العصابة نجحت بالإيقاع بالسياسيين، ولم يتمكن أي أحد منهم كشف حقيقة هذه المجموعة. فلم يطلب أي سياسيّ البطاقات الرسمية الخاصة بالقضاة للتحقق من هُوياتهم، بل فُتحت أبواب المكاتب أمامهم. وهذا يعني أن أي مواطن لبناني سيكون قادرًا على انتحال أي صفة أمنية أو سياسية أو قضائية وزيارة الطبقة السياسية، ولن يُطالب بأي وثائق رسمية للتعريف عنه!
مكتب لمتابعة الدعاوى
على أي حال، فإن الهدف من هذه الزيارات هو التسويق لعملهم داخل لبنان. فالعصابة بدأت بتجهيز مكتب في عاصمة بيروت، لمتابعة دعاوى وقضايا بعض اللبنانيين العالقة في المحاكم الأوروبية. وهذا العمل عبارة عن عملية "نصب واحتيال" على المواطنين والسياسيين أيضًا، حيث تبدأ هذه العصابة بـ"اصطياد" الزبائن بهذه الطريقة، زاعمةً أنها قادرة على حل القضايا العالقة في المحاكم الدولية. وبهذه الطريقة يجني أفراد العصابة أرباحًا مالية هائلة من الزبائن الراغبين بحل مشاكلهم القضائية خارج الأراضي اللبنانيّة.
المباحث الجنائية المركزية تتدخّل
توزعت هذه العصابة في مختلف الأراضي اللبنانية؛ بيروت، جل الديب، انطلياس..، وتبيّن لاحقًا أنهم مُلاحقون سابقًا بقضايا نصب واحتيال. كما أن أحد أفراد هذه العصابة، ينتحل صفة "سفير" أيضًا. وتتغير هذه الصفة أحيانًا فيتحول فجأة من "سفير" إلى "قاض دولي". وعلى ما يبدو أن هذه الصفة تتغير حسب الظروف.
وقبل توسع دائرة اللقاءات، فُضح أمرهم، وتدخلّت المباحث الجنائية المركزية، برئاسة العميد نقولا سعد، في هذه القضية، تنفيذًا لإشارة المحامي العام التمييزي، القاضية إميلي ميرنا كلاس، وتمكن مكتب المباحث الجنائية المركزية خلال ساعات قليلة من إلقاء القبض على جميع أفراد هذه العصابة ووضعهم خلف القضبان، ليبدأ التوسع بالتحقيقات. وحُوّل الملف إلى قاضي التحقيق في بيروت القاضي وائل صادق، الذي -حسب معلومات "المدن"- تنحى عن هذه القضية لأسباب لم تعرف بعد.
إذن، يتضح اليوم أن هذه العصابة كانت تتجهز للإعلان عن مشروعها، محاولةً الإيقاع بالعدد الأكبر من الضحايا. والواضح أن هذه "الفضيحة" أضاءت على خلل يستوجب معالجته سريعًا، وهو ضرورة التحقق من أي "شخصية" تجنبًا للوقوع في الفخ!