المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم حيدر
الأربعاء 17 نيسان 2024 08:01:02
لا يزال ملف تفرغ الجامعة اللبنانية منذ 22 شباط عالقاً في وزارة التربية. والمعروف أن اللائحة أنجزت على قاعدة ثلاثية تقوم على "الأقدمية والحاجات والتوازن"، لكنها لم تسلك مسارها إلى مجلس الوزراء بسبب الفيتو الشيعي أو العقدة التي تتمحور حول مطالب الثنائي بإدخال كل الأساتذة القدامى في اللائحة، الأمر الذي يحدث خللاً في التوازن ويؤدي إلى تفريغ كليات من الأساتذة وفائض في أخرى. وعلى الرغم من السعي لتذليل العقدة، فإنها اصطدمت بإصرار الطرفين الشيعيين على إعادة هيكلة الملف وفق قاعدة مختلفة، بما يعني توزيعاً جديداً في الكليات لا يرتكز على الحاجات، وهو ما يرفع عدد الأساتذة من الطائفة، لكنه في الوقت نفسه يفتح شهيّة الطوائف الأخرى على طلب معاملتها بالمثل.
طرح بعض أقطاب الثنائي الشيعي تفرغ كل المتعاقدين المدرجين في الملف الأول الذي رفعه رئيس الجامعة إلى وزير التربية قبل أن يتقلص وفقاً لقدرات الجامعة وتحمّلها، وعددهم نحو 1756، موزعين بين 730 شيعياً و480 سنياً و60 درزياً و516 من الطوائف المسيحية. لكن هذا الطرح رُفض، لا فقط بسبب العدد الكبير للأساتذة بل للخلل في التوازن بين الطوائف مع غلبة شيعية يرفضها السنة والمسيحيون. والخلاف يمتد على الأسماء والمحاصصة داخل كل طائفة، إن كنا نتذكر ترحيل ملف تعيين العمداء في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء في عهد الرئيس السابق ميشال عون، فعلى الرغم من أنه كان متوازناً طائفياً سقط بفعل الخلاف على الأسماء والكليات.
عقدة ملف التفرغ مستمرة وتحجز إقراره، ما يعني تجميده حتى إشعار آخر، وإبقاء الجامعة في حالة شلل، إذ بات محسوماً أن وزير التربية عباس الحلبي لن يرفعه الى مجلس الوزراء ما لم يتأكد من توفر الشروط لإقراره. والأهم أنه متمسك بالصيغة التي أُعد على أساسها الملف بمعايير يغلب فيها الأكاديمي على السياسي، وإن كانت هناك أسماء لحقها ظلم لكن سبب ذلك يعود إلى طريقة التعاقد السابقة التي ضخمت الأعداد وحوّلت الجامعة في مرحلة معينة مكاناً للتنفيعات.
تكمن أهمية ملف التفرغ المتوقف عند العقدة الحزبية، الذي يتضمّن نحو 1200 اسم، أنه أعدّ بلا محاصصة حزبية ومن خارج فيتواتها ولوائحها الخاصة، وذلك على الرغم من طرح صيغ تأخذ في الاعتبار إضافة بعض الأسماء المستحقة وفق شرطي النصاب والأقدمية، لكن هذه الصيغ لم تحل العقدة التي يبدو أن شروط قواها تتخطى مطالبها المعلنة. والأهم في هذا السياق أن الملف بصيغته الأكاديمية ينزع السيطرة الحزبية أو على الأقل يفتح الطريق على ممارسات جديدة تعيد الاعتبار لأكاديمية الجامعة واستعادة صلاحياتها، وقبل ذلك تحصينها ضد المحاصصات والتوظيف والتنفيعات.
حماية الجامعة وتحصينها لا تقتصر فقط على التفرّغ، هي عملية متكاملة ترتبط بإعادة تصويب العملية الديموقراطية فيها، من انتخابات مجالس الفروع إلى وحدات الكليات وصولاً إلى ترشيحات العمداء ومروراً بتعيينات المديرين وأداتها النقابية، وهو أمر يحتاج إلى رافعة أكاديمية، علماً بأن الجامعة تُدار اليوم عبر رئيسها ووزير التربية، حيث أسهم التفاهم بينهما على أولوية دعمها في توفير مظلة لاستمراريتها. لكن هذه الإدارة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية في ظل الأعباء التي تعطل دورها، والخطر يبقى قائماً رغم كل الجهود والمساعي المبذولة لاستقرار أوضاعها.
لقد حان الوقت لمواجهة المشكلة التي تفاقم أوضاع الجامعة، والطريق الى ذلك يتمثل برفع اليد عنها بإسقاط السلّة السياسية ومحاصصاتها وإعادة الاعتبار لقيمة الجامعة وسمعتها ودورها.