على شفير الحرب.. الموفدون يسوّقون "مبدأ التفاوض" كفرصة أخيرة

إنه السباق بين الديبلوماسية والتصعيد العسكري. تبقى هذه المعادلة هي صاحبة الوصف الدقيق لحقيقة الوضع في لبنان ربطاً بالزحمة الديبلوماسية التي تشهدها بيروت من الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، إلى زيارة رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط، إضافة إلى المعلومات التي تتحدث عن زيارة سيجريها الموفد السعودي يزيد بن فرحان في الأيام القليلة المقبلة، والزيارة المرتقبة للموفد الأميركي توم باراك أيضاً خلال الأيام المقبلة، والتي ستسبق وصول السفير الأميركي الجديد إلى لبنان ميشال عيسى.

 

الإسرائيليون وإقناع أورتاغوس 

جاءت أورتاغوس من تل أبيب إلى بيروت، ورشاد كان قد اجتمع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين. أما أورتاغوس فكانت قد زارت الحدود اللبنانية برفقة وفد عسكري إسرائيلي، وأطلعها الإسرائيليون خلال جولتها على ما يقوم به حزب الله من إعادة بناء قدراته، وعرضوا لها خرائط تتعلق بعمل الحزب في سبيل إعادة التسلح. واعتبر الإسرائيليون أن الحزب لا يزال يتمكن من تهريب الأسلحة وإدخالها إلى لبنان، وخصوصاً عبر الجغرافيا السورية. وبحسب المعلومات، فإن الإسرائيليين قدموا إلى أورتاغوس فيديوهات لتوغلهم في الجنوب السوري وإلقاء القبض على واحد من أشخاص كانوا يعملون في مجال تهريب الأسلحة لحزب الله من منطقة القنيطرة في اتجاه جنوب لبنان، عبر معابر برية وعرة انطلاقاً من بلدة بيت جن السورية. كما عرض الإسرائيليون ما لديهم من معطيات حول مواقع كان حزب الله يحتفظ بها في أقصى جنوب نهر الليطاني، وتحديداً في المنطقة المحيطة بمزارع شبعا.

 

نقلت الأمور.. بلغة ديبلوماسية

كل ما عرضه الإسرائيليون على أورتاغوس يصب في خانة تبرير أي عمليات عسكرية ينفذها الإسرائيليون ضد حزب الله، وقد يحمل ذلك مؤشرات حول تهيئة الأجواء لتصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً أن الأجواء الديبلوماسية تنقل عن الإسرائيليين المزيد من التهديدات، في ظل التدريبات والاستعدادات والتعزيزات التي يرسلها الإسرائيليون باتجاه الحدود مع لبنان. وكل هذه الأجواء نقلتها أورتاغوس إلى المسؤولين اللبنانيين، وقدمتها بلغة ديبلوماسية هادئة، وإن لم تحمل لهجة التهديد الحاسم. لكن الرسائل كانت واضحة وتركز على ضرورة الإسراع في الخطوات التي تتخذها الدولة اللبنانية لأجل سحب سلاح حزب الله ومنعه من إعادة بناء قواته.

 

"عليكم اللحاق بالمنطقة"

قالت أورتاغوس بوضوح للمسؤولين اللبنانيين، بأنه يجب عليهم مواكبة مسار المنطقة وعدم التخلف عنه، وأن المنطقة كلها تدخل إلى مرحلة جديدة قائمة على المفاوضات والحوارات. ولذلك لا يمكن للبنان أن يتخلف عن مسار التفاوض، بغض النظر عن شكله وتفاصيله، على الرغم من أنها تنصح بإيجاد آلية تفاوضية ملائمة، بغض النظر عن توسيع الوفد اللبناني المشارك في إجتماعات لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، أو تشكيل لجان متعددة كما كانت قد طرحت في الربيع الفائت، أو رفع مستوى تمثيل لبنان إلى مستوى ديبلوماسي او سياسي. وفي المقابل، سمعت من المسؤولين مواقف واضحة، أن لبنان التزم بقرار سحب السلاح، والجيش يعمل على تحقيق ذلك، وأنه يجب في المقابل تفعيل عمل الميكانيزم ووقف الضربات الإسرائيلية كي يتمكن لبنان من المضي قدماً في تطبيق قرار حصر السلاح. وطالب المسؤولون اللبنانيون بضرورة تقديم الدعم اللازم للجيش اللبناني كي يتمكن من مواصلة انتشاره في الجنوب وعلى كل الأراضي اللبنانية، وهذا يحتاج إلى تقديم الدعم له عسكرياً، ومالياً، ولوجستياً، وأيضاً ديبلوماسياً من خلال الضغط على اسرائيل. وأما في موضوع التفاوض، فإن لبنان لم يقدم جواباً حاسماً بشأن شكله وآلياته، لكن اللبنانيين يعتبرون أن التفاوض قائم من خلال الميكانيزم، وهناك تجربة سابقة تتعلق بترسيم الحدود البحرية.

 

تفهم نوعي لمسار الدولة

كان لافتاً أن أورتاغوس طلبت من المقرات الرسمية أن تكون زياراتها بعيداً من الإعلام، وذلك لتجنب الأسئلة. وهو ما يعطي طابعاً أكثر جدية للزيارة، بينما كانت في الزيارات السابقة تجيب على أسئلة الصحافيين وترد بشكل مباشر على حزب الله وقياداته، وفي غالب الأحيان بطريقة مهينة، أو أن إجاباتها تكون ذات طابع هجومي. وربما يرتبط تجنب وسائل الإعلام والظهور أمامها بالعمل على إيجاد آلية مغايرة للتعاطي مع الملف. وهو ما لا يمكن فصله عن عبارتين أساسيتين قالهما مسؤولان آخران في إدارة ترامب. الأولى للسفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى عندما تحدث قبل أيام عن أهمية سحب سلاح حزب الله، ولكن مع الحفاظ على الوحدة الوطنية اللبنانية. والثانية لمستشار ترامب للشؤون الأفريقية مسعد بولس الذي تحدث عن موافقة حزب الله على قرار سحب السلاح، معتبراً أن هناك تأخيراً في عمل الدولة اللبنانية لتحقيق ذلك. لكنه قال في المقابل إن الأمر سيكون في حاجة إلى المزيد من الوقت. وهو يتضمن تفهماً نوعياً للمسار الذي تعمل عليه الدولة اللبنانية بناء على خطة الجيش.

 

"أتركوا لبنان لنا" 

في هذا السياق، لا يمكن فصل هذه المواقف الأميركية، عن زيارة أورتاغوس، ولا عن زيارة رئيس المخابرات المصرية، ولا حتى عن زيارة باراك المقبلة، وهو الذي كان قد تحدث سابقاً عن دور الدولة في هذا المجال وأن هذه مهمة اللبنانيين والتوافق في ما بينهم، كما تحدث عن أن حزب الله طرف سياسي أساسي في المعادلة. كل هذه الزيارات تصب في خانة واحدة وهي حضّ لبنان على إيجاد صيغة ملائمة للخروج من الأزمة، وتجنب التصعيد الإسرائيلي الذي يمر، بحسب كل الموفدين، من خلال جدية العمل على مسار سحب السلاح، وإقناع حزب الله بذلك. وهنا وفي سبيل الإقناع لا بد من رفع سقف التهديدات ورفع منسوب التصعيد الإسرائيلي للضغط أكثر، إضافة إلى الكلام الذي نقل بوضوح بأنه في حال لم يهتم لبنان بنفسه لمعالجة هذا الملف فإن لا أحد سيكون مهتماً، ما يعني أن أميركا قد تترك إسرائيل لتفعل ما تشاء. وفي هذا السياق، تكشف مصادر ديبلوماسية أنه خلال الزيارة الأخيرة التي أجراها وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر لواشنطن قال للأميركيين: "إن إسرائيل غير معنية بالتفاوض مع لبنان طالما أنه لا يلتزم بالعمل على سحب السلاح، وطالما أنه يحاول كسب الوقت. اتركوا لنا لبنان. نحن نعرف كيف نتصرف معهم وكيف نضغط عليهم".

 

مبدأ التفاوض في الاتجاهين

في موازة هذا التحرك الأميركي، يندرج التحرك المصري الذي لا بد أنه يحصل بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية. وتستند مصر إلى تجربتها في غزة ونجاح اتفاق وقف النار وقمة شرم الشيخ، وهي تسعى إلى تكرارها في لبنان. في هذا الإطار، ليس سراً أن قنوات التواصل مفتوحة بين مصر وحزب الله، كما أن المقاربة المصرية تركز على ضرورة الوصول إلى تفاهم لبناني لبناني، ولبناني عربي ولبناني أميركي حول كيفية معالجة ملف السلاح على قاعدة إقناع حزب الله بذلك لتجنب الحرب والتصعيد، مع استعداد القاهرة للعب دور في هذا الصدد، من خلال التفاوض المباشر مع حزب الله لإقناعه بالإقدام نحو تسوية سياسية على اعتبار أن كل الظروف في المنطقة تغيرت، ولا بد للبنان والحزب من مواكبتها. وعليه، فإن كل التحركات الديبلوماسية تسعى في اتجاه تكريس مبدأ التفاوض على المستوى الديبلوماسي مع إسرائيل، والتفاوض الداخلي مع الحزب للوصول إلى تسوية سياسية في الداخل. أما في حال تعثر المجالين، فإن التصعيد العسكري هو الذي سيتصدر المشهد.