المصدر: النهار
الكاتب: فارس خشان
الثلاثاء 10 كانون الاول 2024 07:52:36
لولا يحيى السنوار، لكان يستحيل على الأرجح أن نرى ما نراه راهناً، من انقلابات في الشرق الأوسط. كل شيء بدأ في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، عندما أشعل الهجوم الذي قادته حركة "حماس" البركان، وفعّل "وحدة الساحات" التي هندستها إيران، على مدى سنوات.
أعطى "طوفان الأقصى" الذي كان يقوم على معادلة "إزالة إسرائيل" ما يكفي من مشروعية للدولة العبرية، حتى تنقض على جميع أعدائها. وكان واضحاً، أنّها منذ الأيّام الأولى، وضعت خطة تمكنها، بعد أن تُرفِق في غزة، من وضع حد لما وصفته بالأخطبوط الإيراني.
لم يكن إسقاط النظام السوري جزءاً أساسيّاً في الخطة الإسرائيلية، ولكنّه كان "في البال". الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل والنظام السوري، كانت تدرك ذلك. حذرت هذه الدول، مراراً وتكراراً، بشار الأسد، وأسدت إليه النصائح بوجوب تحييد نفسه عن "اللعبة الإيرانية". حاول الأسد، ولكنّه بالمحصلة فشل، فهو، عن قصد أو عن عفو، أصبح رهينة بيد إيران. قدرته على الانفصال عنها شبه معدومة، وعليه، إن لم يقاتل عنها، أن يفكر بطريقة انتحاره. الرسالة الأخيرة التي حملها إليه علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد علي خامنئي، كانت واضحة: إيّاك أن تفك علاقتك العضوية بـ"محور المقاومة"، فالمعادلة التي كانت قائمة قبل "طوفان الأقصى" لا بد من أن تستمر!
لم تكن رسالة خامئني إلى الأسد مجرد مشورة. كانت تهديداً واضحاً.
نظر الأسد حوله، فوجد كل من ساروا في هدي إرشادات المرشد الإيراني جثثاً: حسن نصرالله أقوى رجال المحور، ويحيى السنوار قائد حرب المحور، إسماعيل هنية الرمز السياسي للمحور، قادة فيلق القدس في لبنان وسوريا وحركة النجباء العراقية المنتشرة في تدمر.
تأمّل الأسد في السلوك الإيراني: لا يهم من يموت، المهم أن يبقى نظامنا. نحن، في هذه المرحلة لا نحارب. على من استثمرنا فيهم لسنوات طوال أن يحاربوا هم من أجلنا.
قرأ الأسد، جيّداً اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" وفهمه. إنّه صك استسلام. وعلى إيقاع سطوره، سمع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يقول له: لا تلعب بالنار.
"لا تلعب بالنار" هذه هي النقيض التام لرسالة خامنئي إليه، وفحواها: إيّاك أن تُطفئ النار!
أمام هذين التحذيرين، لم يكن أمام بشار الأسد، سوى "اختبار الحلفاء". ظهر أنّهم يريدونه أن يحارب باللحم الحي عنهم. جيشه لا يملك لا الدافع ولا المقومات لذلك. المهاجمون أقوى منه عدة وعديداً. الصراع في المنطقة والصراع في أوروبا، مكّن المعارضة من أسلحة نوعية لم تكن متوافرة لها عند انطلاق الثورة في سوريا في آذار(مارس) 2011. بالكاد كان هؤلاء يتمكنون من الحصول على أسلحة مضادة للدبابات وللطيران. الآن، لم يحوزوا هذه الأسلحة فحسب، بل أصبح لديهم وحدة معززة من المسيّرات المتطورة (كتيبة شاهين)، أيضاً.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يجد ما يمنحه للأسد، والحالة هذه، سوى اللجوء "الإنساني"، فانقض وريث حافظ الأسد على الفرصة، وهرب إلى خيار المنفى من مصير صدام حسين أو معمر القذافي. لقد رعى تعزيز نظام لا يمكنه أن يمنحه حتى مصير حسني مبارك. كان نموذج زين العابدين بن علي، ولكن تحت جناح روسيا، هو الأفضل!
لا أحد يعرف، حتى تاريخه، خفايا بدء هجوم فصائل المعارضة السورية المسلحة على حلب، بعد ساعات قليلة فقط من بدء سريان وقف إطلاق النار في لبنان. المؤكد أنّ تركيا وقفت وراءه، ولكنها لم تكن لتفعل ذلك لو لم تحصل على ضوء أخضر واضح!
المستفيدون من ذلك كثر. مهما حاولت إسرائيل أن تظهر خائفة من "الحكام الجدد" في سوريا، فهي حققت هدفاً غالياً عليها وعلى الولايات المتحدة الأميركية: عزل إيران وردم الكوريدور الشيعي.
أخذت إسرائيل، مع سقوط بشار الأسد، راحتها في سوريا. حصنت سيطرتها على الجولان باحتلال منطقة فك الاشتباك. أقامت جسوراً طيبة بين دروز الجولان ودروز السويداء، وحصلت على خرائط تحدد مواقع الأسلحة السورية الاستراتيجية، فانقضت عليها وتعمل على تدميرها. هي لا تريد أن تترك المستقبل للمفاجآت. قد يحلم أبو محمد الجولاني، أن يشرّف لقبه، ويحاول تحرير الجولان. قد يفكر رجب طيب أردوغان في أن يلعب سنيّاً لعبة إيران شيعيّاً، ويستفيد من المعادلات السورية الجديدة ليتحرك في اتجاه "حماس" ولبنان والضفة الغربية.
راهناً أصبحت عيون الجميع شاخصة في اتجاه واحد: مستقبل إيران!
الجمهورية الإسلامية في إيران لن تقف حيال ما يحصل مكتوفة الأيدي. لا يزال لديها كلمتها في العراق وفي اليمن، ولكنها تعرف أنّ قدرات هذه المجموعات محدودة، فاليمنيّون يمكن أن يزرعوا الاضطراب في الخليج، وهذا ممنوع بقرار روسي- صيني قبل أي قرار آخر. والحشد الشعبي العراقي، بدأ يصطدم بالمرجعية الشيعية في العراق التي ترفض أن يكون العراق أداة إيرانية. ولهذا يفكر الجميع بقدرات إيران على الانتقال إلى تغيير عقيدتها النووية مستفيدة من التقدم الذي أحرزته في مجال التخصيب. وهذا تغيّر استراتيجي قد يجر عليها ويلات إسرائيلية- أميركية.
في هذه المعادلة، حتى لو كان "حزب الله" يملك قدرات مواجهة اللبنانيين الآخرين، إلّا أنّه، واقعيّاً، وبعيداً من الشعارات الرنانّة، لم تعد له أي أهمية استراتيجية تذكر. خسر سوريا ومعها خسر الكوريدور الشيعي. وخسر التماس مع إسرائيل، سواء في لبنان أو سوريا.
إذاً، ما كان في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 فرصة للتعملق الإيراني، أصبح في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) مناسبة لوضع المارد في القمقم!