المصدر: النهار
الاثنين 1 كانون الاول 2025 11:25:51
الأب فادي سميا
في لحظة سياسية وروحية نادرة، وقف في قصر بعبدا صوتان مختلفان بالهوية والوظيفة، لكنهما متلاقيان في العمق والرسالة: البابا لاوون الرابع عشر والرئيس جوزف عون.
خطابان من عالمين، لكنهما التقيا على كلمة واحدة: لبنان يستحقّ أن يُصان، وأن يعود إلى نفسه.
1. في خطاب البابا: الدعوة إلى سلام يولد من الداخل
البابا لاوون لم يخاطب دولة فقط، بل خاطب قلباً موجوعاً.
دعا اللبنانيين إلى أن يكونوا "صنّاع سلام"، لا مجرّد شهود على الانقسامات.
تحدّث عن الخير العام قيمة تتجاوز حسابات الطوائف والمصالح،
وعن أملٍ لا يُبنى بالخطابات بل بالصبر والعمل ومداواة الجروح.
كان كلامه كأب يخاطب أبناءه:
لبنان لا يموت… لأن شعبه يعرف كيف ينهض من رماده"
وهذه الجملة وحدها كانت كافية لتحريك القلوب.
2. في خطاب الرئيس جوزف عون: تثبيت الهوية والرسالة
الرئيس جوزف عون استقبل البابا بلغة تحمل مزيجاً من الوطنية والواقعية.
قدّم عن لبنان صورة بلدٍ "صغير بالحجم، كبير بالرسالة"،
بلد يجمع اختلافاته في إطار الوحدة، ويحمل في تكوينه قدرة تاريخية على جمع الأديان والثقافات تحت سقف واحد.
خطاب الرئيس لم يكن بروتوكولياً؛ كان أقرب إلى شهادة إبن يعرف قيمة الأرض،
ويُدرك أنّ هذه البلاد لا تُحفظ إلا بالعيش المشترك واحترام تنوّعها.
3. نقطة التقاء الخطابين: دعوة واحدة بثوبين مختلفين
عندما نضع الخطابين جنباً إلى جنب، تظهر لنا ثلاثة تقاطعات واضحة:
أولاً: لبنان وطن رسالة، لا مجرّد دولة
البابا تحدّث عن لبنان "رسالة رجاء".
والرئيس أكّد أنّ لبنان "رسالة للشرق والعالم".
الرؤية واحدة: هذا البلد لا يُعرَّف بالأزمات، بل بدعوته التاريخية.
ثانياً: الأولوية للخير العام فوق المصالح
البابا شدّد على تجاوز المصالح الضيقة.
الرئيس تحدّث عن ضرورة حماية الوحدة الوطنية وصون العيش المشترك.
الاثنان طالبا اللبنانيين بأن يكونوا أكبر من خلافاتهم.
ثالثاً: الأمل لا يموت… والنهضة ممكنة
البابا شجّع على عدم الاستسلام.
الرئيس دعا إلى رؤية لبنان بنظرة تتجاوز اليأس.
النتيجة: رسالة مشتركة تقول للبنانيين جميعاً:
هناك طريق… وهناك قيامة… وهناك مستقبل.
رابعاً: لماذا هذا التلاقي مهم؟
لأن لبنان اليوم بحاجة إلى خطابٍ مزدوج:
خطابٍ روحي يضمّد الجروح،
وخطابٍ وطني يذكّر بدور الدولة والهوية.
ولأن اللبناني - المثقل بالتعب - يحتاج أن يسمع صوتين مختلفين يلتقيان من أجله،
يشهدان بأن بلده ليس مشروع انهيار، بل مشروع قيامة.
في بعبدا، لم يتلاقَ البابا لاوون الرابع عشر ورئيس الجمهورية فحسب،
بل التقت الروح بالوطن، والرجاء بالمسؤولية، والرسالة بالفعل.
وكانت النتيجة صفحة لبنانية جديدة تقول لنا:
ما دام هناك من يتكلّم عن السلام…
ومن يعلن قيمة الرسالة…
فإن لبنان - رغم كل شيء - ما زال حيّاً.