عن العلاقة بين تأرجح الدولار ومنصّة صيرفة.. هل تبقى بعد رحيل رياض سلامة؟

شهد لبنان على مسرحية جديدة مساء السبت الفائت، وارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء من 91,200 ليرة مقابل الدولار الواحد إلى أكثر من 99,000 ليرة في غضون ما لا يقلّ عن ساعة، وكان سبق "حفلة الجنون" هذه معلومات لإحدى الصحف بأن عدداً من المصارف ستوقف العمل بمنصّة "صيرفة"، لكن سرعان ما عاد سعر الصرف إلى الإنخفاض بعد إصدار بيان دحض هذه الشائعات، وفي اليوم التالي أشار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في بيان إلى أن "العمل على منصة SAYRAFA مستمر كالمعتاد على نفس القواعد المعتمدة من قبل مصرف لبنان منذ آذار 2023"، وشدد على أن "كل الاخبار المتداولة عن بعض المصارف في عدم التزامها في ما يخص هذا الموضوع عارية عن الصحة".

قد تكون البلبلة الحاصلة مُجرّد "لعبة" قصيرة الأمد من أجل تثبيت أهمّية منصّة صيرفة في السوق أقلّه في الفترة المُقبلة، وذلك بالتزامن مع اقتراب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مع انعدام "دستورية" التمديد على طاولة حكومة تصريف الأعمال وبظلّ الشغور الرئاسي منذ أكثر من نصف عام، وبالتالي أشيع أن العمل بالمنصة سيتوقف الأمر الذي خلق نوعاً من الهلع، من ثم عادت الأمور إلى "طبيعتها" بعد بيانٍ تطميني، ممّا يفتح الأسئلة على مصراعيها: "هل هناك حلول غير "صيرفة" بظلّ الإنهيار الحرّ؟ كيف تساهم هذه المنصّة باستقرار سعر الصرف؟ وما هي البدائل عنها؟".

 

حكيم: الدولارات في المنازل أُعيد ضخها في السوق

لفت وزير الإقتصاد الأسبق وعضو المكتب السياسي الكتائبي البروفيسور ألان حكيم إلى أن الأسئلة التي تطرح إن كان في الإعلام أو في السوق اللبناني هي التي تحتّم حدوث عمليات مضاربة وتفاوت بسعر الصرف بوتيرةٍ سريعة، الأمر الذي يدلّ على انعدام أي ثقة وأي توجه واضح وآلية عمل شفافة ضمن إطار حوكمة رشيدة، وقال: "منصة صيرفة وجدت في الأساس من أجل تمكين المواطن اللبناني من القطاع العام والموظفين الذين لا يزالون يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية من أن تتأمن معيشتهم على الصعيد اليومي، والسؤال عن بقاء صيرفة من عدمها هو تهديد بالمباشر للمواطنين ومن هذا المنطلق هذا الأمر يخلق بلبلة مثل ما شهده السوق في عطلة نهاية الأسبوع، والمنصة هي "أساس" ضمن إطار الفوضى المالية الموجودة لأنها تساعد المواطن بحدّ أدنى من الدولار ليكون معيار لسعر الدولار في الأسواق".

 وشدّد حكيم على أن فقدان "صيرفة" سيؤدي حتماً إلى مشكلة كبيرة لأن لا بديل عملي فعلي سوى بعض التعديلات على طريقة عملها، ولا بدّ لهذه المنصة في الوقت الحاضر ضمن إطار الفوضى المالية وعدم وجود أي توجه إقتصادي واضح للدولة اللبنانية".

وفي حديثٍ لـkataeb.org قال حكيم: " منصة صيرفة أشبه بالـ "Manivelle" الخاص بالإقتصاد حالياً، وتُحرّك الدورة الإقتصادية من خلال بيع الدولارات إلى الليرة في السوق من ثم إيداعهم في المصرف من أجل تأمين هامش ربح معيّن بظلّ الأزمة، وبالتالي تكون هذه الدولارات قد دخلت الإقتصاد فعلاً ولم تبقَ في المنازل، أمّا بالحديث عن تمويل المنصة الذي هو من العملة الصعبة في مصرف لبنان فصحيح أن للأمر كلفة، لكن يجب الأخذ بعين الإعتبار، كل من هامش الربحية الإقتصادية على الصعيد العام، والهامش الذي ربح فيه جميع المتداولين بهذه العملية من مصرف لبنان مروراً المصارف وصولاً إلى كافة الأفرقاء، وبالتالي من المهم جدّا ضخ الأموال المتواجدة في المنازل في الإقتصاد اللبناني بتكلفة مُعيّنة لإعادة نوعٍ من الحياة إلى الإقتصاد".

 

مع اقتراب نهاية ولاية رياض سلامة.. هل تتوقف صيرفة وما البديل عنها؟

يكثر الحديث عن منصة "صيرفة" المقرونة بشخص حاكم المركزي رياض سلامة خاصّةً أن مع اقتراب انتهاء ولايته هناك حديث عن إمكانية توقفها عن العمل، وبالتالي يكون سعر الصرف عرضةً لكافة أنواع المضاربات من قبل أصحاب الكتل النقدية الأكبر في السوق، بالإضافة إلى الحديث عن بدائل من قبل عدد من الأفرقاء، لكن يؤكد حكيم أن الحديث عن توقيف منصة صيرفة ليس جدّياً وشعبوي على الصعيد العام وعلى صعيد إظهار المعارضة للمنصة، ويقول: "أي منصة لبيع الدولارات إن كانت صيرفة، أو صيرفة معدّلة أو منصة رديفة ضمن إطارٍ مُنظّم هي حاجة مُلحّة اليوم وسط الإنهيار، وهذا هو الموجود والمُتاح بظلّ غياب الإصلاحات وأي رؤية اقتصادية وأيضاً بظلّ شبه انعدام لأي استقرار سياسي، النقدي واقتصادي الذين هم على علاقة وثيقة مع بعضهم البعض"، ورأى أن أي تعديل قد يحصل سيلحقه تأقلم من قبل كل اللاعبين على صعيد الساحة الإقتصادية من أجل التوصل إلى نوعٍ ما من الإستقرار".

أمّا عن توقيف "صيرفة" مع رحيل سلامة فتابع حكيم: " القضية ليست ببقاء حاكم أو تغييره، موضوع استمرار العمل بـ "صيرفة" لا يتعلّق بإسم رياض سلامة أو غيره، بل يتعلّق باستمرارية الإقتصاد اللبناني الذي نسأل إن كان بامكانه البقاء من دون هذه المعايير والآليات الموجودة التي "تُهدّي" رأس المواطن فوق الماء وتمنعه من الغرق، وأي خلف عليه البحث بحلول عملية للتصدي للكارثة التي نواجهها وهي أزمة شحّ الدولار، ومن خلال صيرفة يتم إدخال على الإقتصاد أكثر من 100 مليون دولار يومياً والمساهمة هذه هي إيجابية للسوق، وهذا ليس الحلّ الحقيقي والمستدام ولكن في الواقع اليوم ما هو البديل؟".

وأضاف: "نسمع اليوم بمنصات منافسة وشبيهة وتعديل بمنصة "صيرفة" والباب مفتوح للتعديل، لكن الأهم اليوم هو حماية وتأمين الإستقرار للأحوال المالية، النقدية والإقتصادية ضمن الإطار العام وخاصّةً على صعيد المواطن لأن كل من القطاع العام الذي بات قريباً من الغرق يعاني والموظفين الذين لا يزالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية حتى اليوم ويتكلون على صيرفة لتأمين معيشتهم اليومية، يعانون ولا يمكن تركهم لمصيرهم".

ورأى حكيم أن التلاعب في سعر صرف الدولار خلال عطلة نهاية الأسبوع هو "لعبة" ومجرّد مضاربة واحتكار والسؤال الذي يُطرح اليوم "من يملك الكتلة النقدية الأكبر في البلد للتلاعب في السعر؟".  

 

أرقامٌ متوقّعة من موسم الصيف

لفت البروفيسور ألان حكيم إلى أن هناك استهلاك كبير للدولار في موسم الصيف وقال: "هذا الأمر يحرّك العجلة الإقتصادية، بالإضافة  إلى موضوع إدخال النقد الأجنبي من خلال التحاويل من الخارج الذي لديه مبالغ طائلة التي تصل إلى لبنان والتي نتوقع أن تتخطّى عتبة الـ6.5 مليار دولار الذي تم تسجيله عام 2022 المنصرم".

 

الحلول في أفق الأزمة إذاً غير متاحة بظلّ الجمود السياسي والتعنّت بانتظار مواقف الخارج رئاسياً، الأمر الذي ينعكس بالمباشر على الإنهيار الإقتصادي وعلى كل من عملية بيع وشراء العملة الصعبة والتداول بالعملة المحلية، فعدم احترام الإستحقاقات الدستورية يمنع انتظام عمل المؤسسات من تعييناتٍ وقرارات وتشريعات بإمكانها وضع البلاد على سكّة الحلّ، إذاً تسيير أمور المواطنين بما تبقّى من أموال في المصرف المركزي ومن أموال بالدولار تم تحويلها ليس مستداماً على صعيد الإقتصاد الوطني، وليس إلّا "الطبق الأخير" بانتظار الإعدام في حال لم يُنتخب رئيس بأسرعِ وقتٍ مُمكن، تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلّة في وقتٍ قياسي تضع خطّة شاملة بالإضافة إلى تشريع قوانينٍ إصلاحية تُمهّد الطريق لتطبيق خطّة نهوض حقيقية تُعيدنا إلى الإقتصاد الحقيقي.