عودة الأمن إلى قصر العدل

تحت عنوان "أمن قصر العدل مُهدد: اختفاء تدريجي للحرّاس"، نشرت "المدن" تقريرها عن سوء الإدارة الأمنية لقصر عدل بيروت ومحيطه، وهو الذي يُشكل النقطة المركزية لكل القضايا الساخنة في البلاد. التقرير تناول الأزمة المتمثلة بالنزيف البشري المستمر لعناصر قوى الأمن الداخلي، والذي أدى إلى الضعف الفادح في الإجراءات الأمنية.

بعد أيام من نشر التقرير، وتحديدًا نهار الجمعة الفائت، في الخامس عشر من كانون الأول الجاري، انقلب المشهد العام أمام العدلية وداخلها فجأةً. إذ انتشر أمام مدخل القصر وحده أكثر من 10 عناصر أمنية، لتدقق بكل داخل وخارج من زوار قصر عدل بيروت، بعد أن كان الاعتماد على عنصر واحد فقط وعارضة حديدية لحفظ الأمن.

إجراءات أمنية مشددة
وإلى جانب العناصر التي وُزعت أمام المدخل الرئيسي لقصر عدل بيروت، فُتحت العارضة مجدّدًا، بعد إقفالها سابقًا بسبب النقص في أعداد الحراس.  فيقف الدركي أمام العارضة، ويوقف كل عابر سبيل، ويقترب إلى كل سيارة لمساءلتها عن وجهتها، ومن ثمّ لتنظيم مكان ركنها. كما مُنع ركن أي سيارة أمامها، ما أدّى إلى تخفيف زحمة السير التي عهدها محيط قصر العدل لأسابيع خلت.

جولة واحدة في محيط "العدلية" كانت كفيلة بإظهار التعزيزات الأمنية المستحدثة؛ مجموعة من العناصر الأمنية وزعت أمام المدخل الرئيسي للحؤول دون دخول من لا عمل له في العدلية. القاعات وباحات القصر تضجّ بالعناصر المتأهبة، وكان لافتًا تخصيص دورية عسكرية لتُمشيط كل محيط  المنطقة على مدار الساعة، إضافة إلى آليتين طلب منهما الحضور كل نهار جمعة أي بالتزامن مع جلسات محاكمات المجلس العدلي (بعدما طلب من القضاة سابقًا إرجاء المحاكمة المتعلقة بالتفجير الإرهابي العام 2014 بسبب معلومات أمنية أبلغتهم بأن إحدى المجموعات الإرهابية ستنفذ عملية لتهريب الموقوف نعيم اسماعيل محمود، خلال سوقه لقصر عدل بيروت من سجن رومية، وتستعد لاقتحام قصر عدل بيروت في حال عدم تمكنها من تحرير الموقوف).

"مذكرة" رسمية
وعلمت "المدن" أن مديرية قوى الأمن الداخلي عممت مذكرة على عناصرها، تتعلق بالإجراءات الأمنية التي ستتخذ في كل يوم جمعة داخل قصر عدل بيروت. طالبةً منهم تكثيف جهودهم وحفظ الأمن والنظام، وطُلب من كل الوحدات (الدرك، جهاز أمن السفارات، الشرطة القضائية، شرطة بيروت والدرك الإقليمي) تكثيف جهودها الاستقصائية وجمع المعلومات لمنع حصول أي أعمال مخلة بالأمن. وأيضًا، ضرورة التشدد بالحراسة داخل قصر عدل بيروت واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة، لافتين إلى أن مسؤولية سوق الموقوفين من رومية إلى العدلية ستكون على عاتق "سرية الفهود".

ويبدو أن هذا "التأهب المفاجئ" كان بعد صدور عدّة شكاوى داخل القصر من رداءة التنظيم الأمني. لكن المفارقة تقع بكون هذا التحسن بالمستوى اللوجستي والأمني قابله انحدار على المستوى التقني، تمثل بانقطاع مزمن للكهرباء في القاعات والمحاكم، ما جعل القضاة وزوار القصر يعملون على ضوء الشمس، حرفيًّا. فخلال الساعات الطويلة لجلسات المجلس العدلي نهار الجمعة الفائت، وقفت العناصر الأمنيّة أمام باب المحكمة لحراسته، بينما استمرت الجلسة حوالي الساعتين من دون كهرباء، ما اضطر القضاة إلى التعويل والاعتماد على الإضاءة الطبيعية. ووفقًا لمعلومات "المدن" فبعد اتصالات عديدة جرى إضاءة قسم من قصر عدل بيروت لحين انتهاء المحاكمة.

وفيما كان واضحًا التفلت الأمني الحاصل داخل قصر عدل بيروت (قبل اتخاذ هذه الإجراءات المشددة)، والذي نتج عنه خوف القضاة من تكرار جريمة قتل القضاة العام 1999 خلال إحدى المحاكمات في صيدا، أكد مصدر أمني رفيع المستوى لـ"المدن" أن "مديرية قوى الأمن الداخلي خصصت أكثر من 9 عناصر أمنية لحماية قصر عدل بيروت، ووزعت على المداخل والمخارج لمراقبة حركة الداخلين والخارجين، كما خصصت دوريات لمراقبة المنطقة على مدار الساعة. لكن، هذا العدد ليس كافيًا، إذ يحتاج قصر العدل إلى أكثر من 20 عنصراً آخر للانتشار في جميع نقاطه، وخصوصًا أمام المدخل الحديد المخصص لإدخال الموقوفين فور سوقهم من سجن رومية، فسيناريو اقتحام هذا المدخل أو التسلل إلى داخله ليلًا من أجل تهريب الموقوفين لايزال واردًا".

وهنا يجب أن نلفت، إلى أن انقطاع التيار الكهربائي يؤثر سلبًا على كاميرات المراقبة المتوزعة داخل وخارج القصر، حيث أنها تتوقف عن العمل لحاجتها لمدٍ كهربائي متواصل.

إذن، قد تكون "خطوة" مديرية قوى الأمن الداخلي بداية إجراءات أمنية "جدية" ستعتمد من أجل حفظ وفرض الأمن، تجنبًا لأي أعمال إرهابية من الممكن حدوثها في أي لحظة. فيما يبقى التعويل الأساسي على توزيع العناصر الأمنية وفقًا للضرورة والحاجة، بما يضمن أمن القضاة وجميع العاملين في قصر عدل بيروت.