عوده: هل يحتاج لبنان إلى عزل نفسه أكثر والابتعاد عن العالم حتى بالتوقيت؟

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس.

بعد قراءة الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: "الكذب ومحبة المال، الآفتان اللتان حذر منهما القديس يوحنا السلمي استنادا إلى الكتاب المقدس ووصايا الرب، تجتاحان بلدنا منذ عقود. معظم مصائب الشعب كانت نتيجة للوعود الكاذبة التي أطلقها مرشحون لشتى المناصب، فأمل الشعب تغييرا على أيدي الواعدين، وفي كل مرة كانت الآمال تخيب وما زالت. لا ينفك الكاذبون من إطلاق التطمينات الواهية، وبث الآمال الكاذبة. إلا أن المشكلة الأكبر هي في شعب يعرف أنهم يكذبون ولا يحاسب ولا يطالب خوفا من حرمان أكبر. لذلك نضم صوتنا إلى أصوات المنادين بوجوب توبة كل مسؤول وعودته إلى طريق الرب المستقيم، لأن التوبة، كما يقول القديس يوحنا السلمي، هي «عهد مع الله لبدء حياة أخرى... إنها مصالحة مع الرب بعمل الصالحات المضادة للزلات السابقة»، وكل من يتصالح مع الرب، لا بد من أن يتصالح مع أبنائه، المخلوقين على صورته ومثاله، ويمتنع عن إيذائهم مبتعدا عن الحقد والشر والنميمة والخداع وحب الذات والمال وكل آفة تبعد الإنسان عن خالقه وعن إخوته، فتستقيم الأمور وتتجه نحو الأفضل للجميع. وكما يقول القديس يوحنا: «ليكن لنا ضميرنا بعد الله رقيبا ومرشدا ومقياسا في كل شيء، حتى إذا عرفنا مهب الريح رفعنا أشرعتنا مقابلها".

أضاف: "هنا أود أن أعلن عن حزني وأسفي لما حصل بالأمس بشأن التوقيت الصيفي الذي تحول إلى تباين طائفي فيما لا علاقة للدين والطوائف به، بل هو أمر متعارف عليه عالميا ومعمول به في لبنان منذ عقود. هل يحتاج لبنان إلى عزل نفسه أكثر والابتعاد عن العالم حتى بالتوقيت؟ ألا يكفي اللبنانيون ما يعيشونه من مشاكل لتضاف إليها مشكلة الوقت؟ أليس الأحرى بالمسؤولين الاهتمام بكيفية الخروج من الكارثة التي أوقعوا البلد فيها عوض إثارة لغط حول تغيير الساعة؟ مسكين بلدنا. وكم يحتاج إلى قامات وطنية تحكمه".

وتابع: "في التهيئة للصوم علمتنا الكنيسة أن التواضع هو الباب الإلزامي لدخول الملكوت، وها هو القديس يوحنا يحثنا، فيما نشارف نهاية الصوم، على الوداعة والتواضع والتوبة قائلا: «التوبة تنهض الساقط والنوح يقرع باب السماء ولكن التواضع المقدس يفتحه» ويضيف: «المتكبر يدين غيره طول النهار، وغير المتكبر لا يدين أحدا ولكنه لا يدين ذاته. أما المتضع فيدين ذاته كل حين وهو غير ملام".

وختم: "دعوتنا اليوم أن نتسلق السلم الموصلة إلى السماء، وهذا لن يحدث إلا من خلال الغلبة على الأهواء والشهوات، ونبذ الأحقاد والخصومات، والتوبة والرجوع إلى درب الصالحات. لقد وضع لنا المسيح صليبه سلما مصعدة إلى السماء، فلنصلب إذا خطايانا، ونتابع صيامنا باجتهاد وشوق للوصول إلى ميناء القيامة البهية، حيث نظهر مستحقين المشاركة في المائدة السرية، سامعين صوت الرب الحلو قائلا: «اليوم تكون معي في الفردوس... أدخل إلى فرح ربك...».