المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الجمعة 12 أيار 2023 14:54:25
لم يعد بالأمر الغريب أن يُقال بأن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، كوّن ثروة ضخمة وعاش حياة الترف والنعيم لعقود طويلة، على حساب المال العام. بل هو أمر بات يقيناً، خصوصاً بعد توسع التحقيقات الأوروبية للاشتباه في ضلوعه في قضية اختلاس مئات الملايين من الدولارات من المال العام، إضافة إلى عمليات لتبييض هذه الأموال في أوروبا.
الزوجة والممثلة
الحاكم الذي يعيش حياة باذخة، تمتع بالسلطة وبالنفوذ إلى أقصى حد. حاز أموالاً طائلة وعقارات واستثمارات وشركات مالية. وقد لا تكتمل حكايته إلا بمعرفة سيرة النساء اللواتي أحاط نفسه بهن، ليتمتعن هن أيضاً بنصيبهن من الثروة ويحصّلن الهدايا الباهظة كالعقارات والأسهم والعمولات الخيالية، عدا عن حصتهن من عمليات تبييض الأموال، والأعمال الناجمة عن استغلال النفوذ.
ما عرضناه ليس متأتياً من مخيلة جامحة، بل هي حقيقة ما أفضت إليه التحقيقات الأخيرة التي أجرتها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، بعد أشهر طويلة من مداهمة منزل الحاكم واستجواب زوجته ندى سلامة، وصديقته الممثلة ستيفاني صليبا.
يوم أمس الخميس 11 أيار، قررت القاضية عون الادعاء على الحاكم ونسائه، بجرم تبييض الأموال والإثراء غير المشروع. وطال الادعاء بنك لبنان والخليج لعدم تعاونه مع عون، وتمنعه عن رفع السرية المصرفية عن حسابات الممثلة ستيفاني صليبا. كما طلبت عون إصدار مذكرة توقيف بحقهم، وحولت الملف إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، نقولا منصور.
وفي واقع الأمر، تمكنت عون من التعرف على أسلوب حياة الحاكم بعد مداهمة منزله. فصادرت الأوراق والمستندات التي تؤكد امتلاك عائلة سلامة مبالغ طائلة من الأموال من مصادر مشبوهة.
فقد كان سلامة يخصص لزوجته ندى، راتباً شهرياً بقيمة 35 ألف دولار أميركي، بالرغم من تصريحه سابقاً خلال التحقيقات أن راتبه الشهري من المصرف المركزي لا يتجاوز 25 ألف دولار أميركي فقط.
والمستندات التي صادرتها عون، أثبتت أن الحاكم كان يحوّل عشرات آلاف الدولارات من المصرف المركزي إلى حساب زوجته في بنك عوده سابقاً، وأنه حول إلى نجله 1.5 مليون دولار أميركي تكلفةً لزواجه.
"من أين له كل هذه الأموال"؟ وكيف حصل عليها؟ على الأرجح، سيأتي الجواب الأكثر وضوحاً من التحقيقات الأوروبية التي ستتمكن من معرفة كل الحقائق بشكل موثق وصريح.
عقارات وهدايا
في حديث "المدن" مع القاضية عون، أشارت إلى أن الوثائق التي دققت بها طوال الأشهر الماضية تؤكد أن الحاكم حوّل عشرات آلاف الدولارات من المصرف المركزي إلى حسابات ندى سلامة في بنك عودة. وأضافت عون: "حصلت على الكثير من المعلومات بعد استجواب ندى سلامة. وسأقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لاحقاً، وهي تملك متجراً ضخماً في وسط بيروت وأنا أتحقق إن كان هذا المتجر من أموال سلامة".
وأظهرت التحقيقات الأخيرة أن الممثلة ستيفاني صليبا (36 عاماً)، التي دخلت إلى عالم التمثيل في عام 2016 واكتسب شهرة واسعة في فترة قصيرة، تمتلك شقة واسعة تبلغ مساحتها حوالى 500 متر في منطقة DOWNTOWN BEIRUT، وتقدر قيمتها بحوالى 3 ملايين دولار أميركي، وشقة أخرى في منطقة بيت مسك تقدر قيمتها بحوالى 600 ألف دولار أميركي، وإقامتها الحالية في إحدى الشقق المفروشة في وسط بيروت تبلغ قيمة إيجار سنوياً حوالى 40 ألف دولار أميركي.
يذكر أن عون قد أصدرت قراراً بوضع إشارة منع تصرف على أملاك صليبا في نهاية عام 2022، وقد تم استجوابها آنذاك خصوصاً بعد انتشار معلومات عن حصولها على هدايا باهظة الثمن من الحاكم. وكما كان متوقعاً، وبعد إخلاء سبيلها، نفت صليبا هذه المعلومات واعتبرتها محاولة لتشويه سمعتها.
وهنا شرحت عون لـ"المدن" أن صليبا اعترفت خلال التحقيقات بعلاقتها بحاكم مصرف لبنان: "طلبتُ منها إبراز المستندات والأوراق التي تثبت شرعية هذه العقارات، وبأنها نتيجة عملها في مجال التمثيل، وليست هدايا من الحاكم، إلا أنها عجزت عن تقديم أي مستندات ولم تبرّر".
وتابعت عون: "طلبت من مصرف لبنان والخليج أن يرفع السرية المصرفية عن حسابات صليبا لكنه رفض، فادعيت عليه. وسأدعي على كل مصرف لن يتجاوب معي".
في خلاصة الأمر، سيعيش اللبنانيون زمناً طويلاً مع "مسلسل" من بطولة الحاكم وأشباهه وأصحاب المصارف والسلطة ونسائهم وعشيقاتهم ومحظياتهم وأزلامهم. مسلسل قد لا تكتمل حلقاته وفصوله، مليء بالخزي والعار والفساد.