عون يسجّل سابقة رئاسية

لا يمكن النظر الى رسالة رئيس الجمهورية جوزاف عون التي أعلنها من الجنوب عشية عيد الاستقلال، إلا بوصفها سابقة في تجربة الرؤساء اللبنانيين منذ الاستقلال، الذين واظبوا على إطلاق رسائل الاستقلال من القصر الرئاسي، إذ اختار مدينة صور لاطلاق مواقفه، دافعاً برسائل في جميع الاتجاهات، نحو الداخل والخارج. 

ورمزية المكان، لا تنطلق من الحيّز الجغرافي، بقدر ما ترتبط بموقع الحدث. الجنوب اليوم، هو الخاضع لاحتلال ينغّص الاستقلال ويفقده معانيه السياسية والسيادية.. أما الظهور منه، فيعني أن المنطقة غير معزولة عن البلاد، وهي في صلب اهتمامات الدولة وأولوياتها بالمعنى السيادي والسيادي، والمعنى الاجتماعي أيضاً. 

وأمضى الرئيس عون يوم الجمعة، عشية الاستقلال، في مدينة صور، متفقداً مقر قيادة قطاع جنوب الليطاني بالجيش، حيث اطلع على اجراءات الجيش وانجازاته والعوائق التي تحول دون استكمال المهام الموكلة اليه. انقضى النهار بين الخرائط والارقام، واختُتم بإطلاق رسالة الاستقلال من الجنوب. 

تصوّرات الجنوبيين التاريخية

في الشكل، تمثل الزيارة ضمن هذا الحيز الجغرافي، رداً على اعتقادات تصور هذه المنطقة مهملة من قبل الدولة، ومتروكة لمصيرها تحت المدافع الاسرائيلية، وأنها تصيغ خياراتها وحدها بعدما تخلت الدولة عنها. كما تمثل نقيضاً لفكرة التهجير والاحتلال، وهي بالتالي، رسالة للخارج بأن الجنوب جزء من الدولة، وأن الدولة هي المسؤولة عن الدفاع والتفاوض والتأمين والإنماء، بمعنى أن حصرية السلاح لا تعني التخلي، بل تثبت أن الدفاع عن المواطنين من مهام الدولة.  

ويمكن قراءة الموقف، على أنه رسالة طمأنة للجنوبيين من رأس الدولة اللبنانية بأنهم في قلبها، وأن أي سياق يأخذ مصالحهم بعين الاعتبار، بمعزل عن الضغوط الدولية. تزداد هذه الاشارة أهمية، بعد مطالبة وزير الصحة راكان ناصر الدين، خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، بعقد جلسة للحكومة في الجنوب، للتأكيد بأن الجنوب في صلب أولويات الدولة، وهو ما دفع ناشطين جنوبيين لإعادة التذكير بجلسة للحكومة ترأسها الرئيس الراحل رفيق الحريري في النبطية العام 1996، وبالجلسة البرلمانية التي عُقدت في بنت جبيل العام 2000. 

التحولات وحصرية السلاح

أما مضمون الرسالة، فلم يخرج عن إطار طمأنة الجنوبيين الذين يتوجّسون تحولات لبنان نحو تنفيذ "حصرية السلاح"، وذلك بدحض فكرة "العزل". فبعدما دعا الى عدم "المكابرة" والعيش في "حالة إنكار"، وطالب "البعض" بأن يقتنع بأنه "لا يمكنه الاستمرار بما كان قائماً من تشوهات في مفهوم الدولة وسيادتها على أرضها، منذ 40 عاماً"، قال إن "هناك انطباعاً مناقضاً لدى بعض آخر من اللبنانيين"، في إشارة الى خصوم حزب الله، "بأن الزلزال الذي حصل، قضى على جماعة كاملة في لبنان. وكأنّ طائفة لبنانية برمّتها قد زالت أو اختفت، أو كأنها لم تعد موجودة في حسابات الوطن والميثاق والدولة". واضاف: "أنا أقول لكم، هذه مكابرة أخرى، وحالةُ إنكار مقابلة، لا تقل عن الأولى خطأً وخطراً". 

عملياً، أمسك عون التحديات من النصف، ثبّت مرجعية الدولة، وصوّب الاتجاهات في الداخل بما يطمئن الجميع تحت سقف الدولة. بذلك، يعيد صياغة دور الرئاسة خارج الاصطفافات السياسية، ويثبت أن الرئيس يجب أن يكون حكماً وليس طرفاً، في توازن بين الداخل والخارج، يطمئن الجميع.