المصدر: النهار
الأربعاء 2 آب 2023 07:07:51
في الأول من آب، عيد الجيش اللبناني، اضطر الجيش مساء امس الى الدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة الى منطقة صيدا ومحيط مخيم عين الحلوة في مؤشر واضح الى مدى الخطورة الذي بلغه الانفجار الأمني في المخيم.
فقد تجاوزت جولات القتال والاشتباكات العنيفة الدائرة في مخيم عين الحلوة منذ اربعة أيام، كل التقديرات المحلية والفلسطينية نفسها، اذ رسمت معالم حرب تصفيات نفوذ وحسابات شرسة بين كبرى المنظمات الفلسطينية "فتح" والتنظيمات والجماعات الإسلامية المتشددة التي لم يعد خفيا ان بعض الجهات المتصلة بمحور "الممانعة" يدعمها ضمنا وربما عبر تورط ميداني.
وحتى لو تنكّرت الجهات اللبنانية الممانعة لاي تورط في هذه الحرب المستعرة والتي هددت محيط المخيم ومدينة صيدا وشلته عن الحركة لاربعة أيام متتالية، فان معالم التورط الإعلامي والسياسي بدت مكشوفة عبر تحميل فريق فلسطيني بعينه مسؤولية انفجار الوضع في حين ان أي جهة رسمية او سياسية لبنانية لا تبدو مالكة لكل المعطيات الدقيقة والموضوعية التي تقف وراء الامعان في تسعير وتصعيد القتال واسقاط كل مشاريع وقف النار واحلال تسوية تكفل وقف الاستنزاف الدموي المستمر. وتخوفت جهات امنية معنية برصد مجريات الاشتباكات والمعطيات الناطقة بالعجز عن ردع التصعيد الذي يظهره الانفجار ان يكون هناك مخطط يجري تنفيذه بدأب لاستنزاف القوى المتورطة في الاشتباكات لوقت غير قصير بعد، اذ أظهرت التطورات الميدانية ان "فتح" التي منيت بخسائر جسيمة لم تتمكن بعد من تسديد ضربة حاسمة للقوى الإسلامية فيما الأخيرة مارست مجتمعة اقصى قدراتها وتجمعاتها ولن تقوى على السيطرة وهزيمة "فتح" كما سعت اليها.
ومع تواصل الاستنزاف هذا، تحوّل الجانب اللبناني بشقيه الرسمي الحكومي والأمني أي الدولة والسياسي أي المرجعيات والقوى التي تعتبر نفسها الأكثر التصاقا بالملف الفلسطيني وخصوصا في منطقة الجنوب، اقرب الى شهود على العجز التام عن أي عوامل للتأثير او السلطة او الثقل من شأنها ان تشكل ضغوطا حقيقية وفعالة على كل القوى الفلسطينية لجعلها توقف تماديها الدامي في استباحة الاستقرار الأمني أولا وتظهير فضيحة فقدان السيطرة اللبنانية كليا على واقع التفلت المخيف للسلاح سواء داخل المخيمات او خارجها بما باتت معه حرب عين الحلوة تنذر باستعادة تجربة مخيم نهر البارد الامر الذي حذر منه بحق الرئيس ميشال سليمان.
وقد تواصلت الاشتباكات المسلحة داخل مخيم عين الحلوة، لليوم الرابع، بين مسلحي حركة "فتح" ومسلحي العناصر الاسلامية المتشددة ("جند الشام" و"الشباب المسلم" ومجموعة بلال بدر)، حيث فشلت كل الجهود والاتصالات اللبنانية - الفلسطينية في لجمها ووقف النار، حاصدة مزيداً من القتلى والجرحى والتدمير والخراب ونزوح المدنيين، ولاسيما منهم النساء والاطفال. ولم تتوقف آلة الحرب عن الدوران إلا لساعات معدودات "لأسباب انسانية"، مما أتاح للعائلات المحاصرة في حي الطوارىء والأطراف الشمالية للمخيم، للخروج الى أماكن آمنة في صيدا ومسجد الموصللي.
وابتداء من ساعات قبل الظهر، عاود الطرفان تبادل النار والقذائف الصاروخية، خصوصاً على محور حي الطوارئ او ما يعرف بـ"مخيم الطوارئ" الذي تتحصن فيه العناصر المتشددة على اختلافها، في مواجهة حي البركسات والشارع التحتاني حيث مقار ومكاتب لحركة "فتح". واستمرت الاشتباكات بشكل عنيف ومتقطع حتى ساعات بعد الظهر، وعلم ان مقاتلي الطرفين تبادلوا الهجمات.
وسرعان ما توسعت رقعة الاشتباكات لتشمل غالبية احياء المخيم في الشارعين الفوقاني والتحتاني. ومع ان محاولة جديدة لوقف النار بذلت مع ساعات المساء لم تستبعد مصادر فلسطينية احتمال لجوء "فتح" الى عملية واسعة لاستئصال المجموعات المتشددة من "مخيم الطوارئ" موضحة انها "تدرك جيدا ان اي طرف في المخيم لا يستطيع توقيف اي متهم بجريمة اغتيال العرموشي ومرافقيه، وان ثمن دمائه لن يمر من دون السيطرة على هذا المخيم حتى لو تتطلب الامر تدميره. وان هذا المخيم كان ولا يزال يشكل خطرا على سكان عين الحلوة وعلى الجوار اللبناني وايضا على الجيش اللبناني".
وبدعوة من مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان، عقد اجتماع للمرجعيات السياسية في صيدا والجوار الذين طالبوا "حاسمين جازمين" بـ"وقف النار فوراً، ثم بعد ذلك فليجلس المتخاصمون ويتفقوا. والطبيعي ان يكون هناك اختلاف في وجهات النظر، ولكن ليس من الطبيعي أن يترجم هذا الاختلاف بالرصاص والقنابل والقذائف التي تتساقط على البيوت وتقتل الناس". وأكدوا تكليف لجنة للتحقيق في قتل القائد اللواء "أبو أشرف" العرموشي، و"أن تباشر عملها منذ اليوم من دون تسويف وتردد، للكشف عن الذين ارتكبوا هذه الجريمة وتسليمهم الى القضاء والى الأمن اللبناني".
كذلك تمنوا "التعويض بالسرعة الممكنة على هؤلاء الذين ظلموا بهدم بيوتهم وبإصابة الأبناء والرجال والنساء من دون ذنب".