المصدر: الأخبار
الثلاثاء 19 أيلول 2023 07:34:29
الهدوء الذي يلفّ التعليم الخاص في لبنان لا يعكس الجمر الكامن تحت الرماد، إذ ينطلق العام الدراسي بأعداد طلاب تفوق قدرة المدارس الخاصة على الاستيعاب، بعد النزوح من التعليم الرسمي. والأهم، بنقص فادح في أعداد الأساتذة والمعلمين، من شأنه أن يعطّل سير العملية التعليمية في بعض المدارس، ويجعل التعليم في «الرسمي» و«الخاص» متساوياً في المأساة التربوية.
تظهر جولة على صفحات التوظيف في مواقع التواصل الاجتماعي حجم التخبّط الذي تمرّ به المدارس الخاصة في مختلف المناطق. فمع عودة الطلاب إلى صفوفهم، لا تزال مدارس في بعبدا والحدث ورأس النبع والشويفات وكسروان... تبحث عن أساتذة في بعض المواد، وأحياناً عن طاقم تعليمي كامل لكل المواد والصفوف.
«لا أحد يريد أن يعمل في مجال التعليم»، خلاصة توصّلت إليها راما، منسّقة العلوم في مدرسة في برج البراجنة، بعدما شارف العام الدراسي على الانطلاق قبل تأمين معلمتَي العلوم والرياضيات. لم يخطر في بالها أنّ عرض العمل الذي تعيد نشره في صفحات الواتساب والفايسبوك للمرة التاسعة لن يغري أحداً. «ترد اتصالات من مهتمين يستفسرون عن الراتب ويختفون بعدها».
لا تحتاج المدارس إلى جهد لتعي أنّ عزوف الأساتذة عن التعليم سببه الرئيس عرض رواتب زهيدة. فرغم وعود إداراتها بتصحيح أجور معلميها بعد رفع الأقساط المدرسية، وجد الأساتذة أنفسهم قبل بدء العام الدراسي بأسابيع «مكانك راوح»، إذ لم تلتزم كثير من المدارس بصرف الرواتب التي وعدت بها. زينب، معلمة رياضيات للحلقة الأولى، قدّمت استقالتها بعد 12 عاماً من التعليم في بيروت، لأن المدارس «تتّفق على استعباد الأساتذة، وعرض رواتب تراوح بين 200 و300 دولار، تشمل بدل النقل، لذلك قرّرتُ أن أقعد في البيت». فيما تروي معلمة في إحدى المدارس في المنية أنها قبلت براتب 100 دولار، «أحسن ما آخذ مصروفي من والدي».
ولتعويض النقص، تلجأ المدارس إلى «الترقيع». فتغطي النقص في الطاقم التعليمي عبر تكثيف مهام الأساتذة «الصامدين» وزيادة حصصهم التعليمية، حتى صارت معلمة اللغة الإنكليزية للمرحلة المتوسطة، مثلاً، تعلّم طلاب المرحلة الابتدائية. هذا المخرج المؤقّت (أو الدائم؟) يزيد الضغط على الأساتذة ويؤدّي إلى انفجار العلاقة المهتزّة أساساً مع إدارات المدارس. فيتحول الحل إلى مسبّب آخر لإفراغ المدارس من معلميها. كذلك تحوّلت المدارس من البحث عن ذوي الخبرة إلى «المتخرّجين الجدد»، كما تطلب إحدى المدارس صراحة، لأنهم يقبلون بالقليل ولا يعون حقوقهم في العمل. وإلى ذلك، لم يعد تجديد الطاقم التربوي أمراً واقعاً جراء مغادرة الأساتذة، بل أضحى خياراً تتخذه بعض المدارس لتتهرّب من مسؤولياتها تجاه موظفيها، ولا سيما صرف الرواتب على مدار 12 شهراً.