بات ثابتاً أن فئات نقدية جديدة ستدخل التداول في المدى القريب الى جانب الفئات النقدية الحالية. ومن المرجّح أن لا تشمل الفئات الجديدة فئة المليون ليرة، بل ستقتصر على فئتين أكبرهما 500 ألف ليرة. وذلك بعد إدخال اللجان النيابية المشتركة الشهر الفائت تعديل على قانون النقد والتسليف، يتيح لمصرف لبنان طباعة فئات نقدية ورقية أكبر من فئة المئة ألف ليرة المحددة في مواده 4 و5 و6، على أن يُترك خيار تحديد الفئات النقدية الجديدة لمصرف لبنان.
وريثما تجتمع الهيئة العامة لمجلس النواب لإقرار التعديلات النهائية على قانون النقد والتسليف، ومنح جواز إطلاق فئات نقدية جديدة لمصرف لبنان، يجري الأخير التحضيرات لوضع المعايير التقنية والفنية من حجم وشكل ولون الفئات الجديدة وعناصر الحماية والأمان فيها، وغير ذلك من المواصفات.
لكن يبقى السؤال الأبرز على ألسنة المواطنين المترقّبين لإطلاق تلك الفئات النقدية "هل ستؤثر فئة الـ500 ألف ليرة أو سواها على سعر صرف الدولار؟" سؤال وحيد يتلازم مع كل استحقاق أو إجراء أو قرار، يعكس هواجس المواطنين من تفاقم الأزمة المعيشية المرتبطة عملياً بتدهور سعر العملة الوطنية.
فماذا يعني أن يصبح بين أيدي المواطنين عملة نقدية من فئة 500 ألف ليرة أو 250 ألف ليرة أو حتى مليون ليرة (مع استبعاد طرح فئة المليون ليرة حالياً)؟
تطبيع مع الإنهيار وتسهيل بالتعامل
مهما بلغت قيمة الفئات النقدية الجديدة، فإنها لا تؤثر على مستوى التضخم، كما لم تؤثر سابقاً ولم تكن يوماً سبباً بانهيار العملة الوطنية، لا بل إنها مؤشر حاسم على خطورة مستوى التضخّم الحاصل. بمعنى أن إطلاق الفئات النقدية الكبيرة يعكس تقدّماً خطراً في مستوى التضخم من جهة، ويدفع بالجمهور إلى التعامل التدريجي و"التطبيع" مع انهيار العملة من جهة أخرى، خصوصاً أن لا عودة إلى الوراء بعد إطلاق فئات نقدية كبيرة.
ويحتّم التعامل مع الفئات النقدية الكبيرة سحباً تدريجياً للفئات النقدية الصغيرة، التي تكاد تنعدم قيمتها كلّياً كفئة الـ1000 ليرة والـ5000 ليرة، مع التسليم طبعاً بأن الفئات النقدية المعدنية 500 ليرة و250 ليرة قد خرجت فعلياً من التداول خلال سنوات الأزمة 2020 و2021 و2022.
عملياً تنعكس مسألة طرح فئات نقدية كبيرة بالتداول توفيراً بالتعاملات اليومية في الأسواق، إن لجهة المؤسسات أو التجار أو حتى المواطنين. فالفئات التي تفوق الـ100 الف ليرة من شأنها التخفيف من حجم الأموال المتداول، لاسيما أن أكثر من 70 في المئة من التعاملات اليومية تتم نقداً كأحد أوجه اقتصاد الكاش، وهنا لا بد من التمييز بين حجم التداول وقيمته. فتراجع حجم الأموال المتداولة لا يعني بالضرورة التأثير على قيمتها وتالياً على اقتصاد الكاش.
اما على صعيد مصرف لبنان، فإن طباعة فئات نقدية كبيرة من شأنه تخفيف تكاليف طباعة النقد، خصوصاً أن مصرف لبنان قام بطباعة آلاف المليارات من الليرات في السنوات القليلة الماضية أكبر فئاتها 100 ألف ليرة. من هنا، من شأن إطلاق فئة 500 ألف ليرة أن يخفف من تكاليف الطباعة والتخزين التي يتكبّدها مصرف لبنان.
مصير سعر الدولار
أما لجهة سعر صرف الدولار فلا تأثيرات مباشرة لإطلاق فئات نقدية كبيرة على سعر صرف الدولار في مقابل الليرة، إلا أن ذلك لا يعني أن السوق السوداء لن تتأثر مطلقاً بمسألة إطلاق الفئات الجديدة. فالسوق السوداء وإن كانت محكومة من قبل تجار وصرافين ومصرف لبنان، إلا أنها قد تتعرّض لصدمة مؤقتة من المُتوقع أن تدفع بسعر صرف الدولار إلى تسجيل مزيد من الارتفاع في مقابل الليرة، على الرغم من ارتفاع مستوى ضخ الدولارات من قبل مصرف لبنان في السوق.
وليست الصدمات المؤقتة، سواء كانت إيجابية بفعل انتخاب محتمل لرئيس الجمهورية، أو سلبية في حال فشل الاستحقاق، أو بفعل أي حدث سياسي سلبي، سوى رد فعل فوري من الأسواق قد ينعكس ارتفاعاً متسارعاً أو انخفاضاً مفاجئاً بسعر الصرف. لكنها من دون شك لا تستمر طويلاً، وهو ما يُتوقع حدوثه عند طرح الفئات النقدية الجديدة.
أما المسار الطبيعي لسعر صرف الدولار في ظل الأزمة المتفاقمة فهو صعوداً، ويبقى اللاجم الأساسي لارتفاعه اليوم، هو ضخ مصرف لبنان ما يفوق 100 مليون دولار يومياً، وأحياناً تجاوزه 200 مليون دولار باليوم. وعليه، ترتبط مسألة انفلات سعر صرف الدولار واستئناف مساره الصعودي بمدى تدخل مصرف لبنان وقدرته على الاستمرار بضخ الدولارات. وبالنظر إلى بدء العد العكسي لولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فإن سياسة استمرار ضخ الدولارات باتت على المحك.