المصدر: اساس ميديا
الجمعة 3 أيلول 2021 14:53:21
كتب أحمد عياش في أساس ميديا:
عندما انبرى الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، في إطلالته الأخيرة، للدفاع عن موقع رئاسة الحكومة بشخص رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في موضوع التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت، بدا متناغماً مع بيان رؤساء الحكومات السابقين الذين كانوا قد سبقوا نصرالله إلى هذا الموقف. فهل هي صدفة؟ أم تحمل في طيّاتها أمراً آخر؟
مَن يستمع إلى مداخلة الوزير والنائب السابق الدكتور أحمد فتفت في اللقاء الأخير لـ"سيدة الجبل" يجد جواباً ضمن سياق يُنبئ بتحوّلات. ومثله فعل المنسّق العام السابق لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيْد في اللقاء نفسه. وجوهر ما ذهب إليه فتفت وسعيْد أنّ عهد الرئيس ميشال عون انتهى، ولا بدّ من بديل يسعى إليه "حزب الله"، لكنّ هذه المرّة خارج الساحة المسيحية، وتحديداً عند الطائفة السنّيّة.
فماذا ورد في المداخلتين؟
سعيْد: ورقة عون انتهت
في البداية كانت مداخلة الدكتور سعيْد الذي قال: "أراد عون تخطّي اتفاق الطائف والعودة إلى الجمهورية الأولى، وهذا تطلّب تحالفاً مع سلاح غير شرعي. وكان عون مستعدّاً أن يخوض مثل هذه التجربة. في المقابل، ساعد حزب الله عون، واستخدمه في هذا الموضوع، فأدّى ذلك إلى انهيار لبنان ودولته. وهكذا، وبدلاً من أن تكون النتيجة مثلما كان يريد عون الذي ظنّ أنّه يحقّق إنجازاً سياسياً اسمه العودة إلى الجمهورية الأولى، تحقّق مأرب حزب الله في استخدام عون في هذه المعركة إلى أقصى درجات الاستخدام، بحيث أوصل المنحى الذي اتّبعه حزب الله إلى انهيار الدولة اللبنانية وكلّ مؤسساتها، وأخرج شريحة واسعة من اللبنانيين من الحياة الوطنية، وتحديداً المسيحيين الذين كانوا عصا بيد الثنائي الشيعي في مواجهة السُنّة. ومن الممكن أن يحصل تفاهم سنّي شيعي في المنطقة أو لبنان، ويكون المسيحيون خارج المعادلة.
إنّ مشروع ميشال عون، المتمثّل بالعودة إلى الجمهورية الأولى، قد انتهى، ولم يبقَ له أيّ أفق حتى لو غضّت النظر عنه بعض القوى السياسية المسيحية. صحيح أنّ هناك مسيحيين ضد ميشال عون، لكن لم يقف هؤلاء المسيحيون مثلنا نحن (سيدة الجبل) في وجه هذا المشروع الذي يدمّر لبنان ومسيحيّيه والعيش المشترك فيه. بل على العكس لاحظنا أنّ الكلّ تواطأ على قاعدة "روح شوف شو فيك تحصّل، ومنشوف ساعتها شو فينا واياك بنعمل، إذا نجحت ننجح نحن واياك، وإذا سقطت بتسقط لوحدك".
المشروع الثاني الأخطر من الأول هو مشروع حزب الله. فهو كما قلنا استخدم طموح ميشال عون وجنونه للتوصّل إلى انهيار الدولة في لبنان، ثمّ يدعو إلى إعادة بنائها على قواعد جديدة وفقاً لموازين قوى جديدة تحدّدها موازين قوى المنطقة، قائلاً: "نحن وقفنا في وجه إسرائيل والإرهاب، وكنّا خارج منظمة الفساد". كلّ السردية التي يطرحها حزب الله هدفها الانتقال من الجمهورية الثانية إلى الجمهورية الثالثة. غير أنّ ذلك غير متاح إلا إذا تعاون معه فريق من اللبنانيين. لا يمكنه لوحده أن يحقّق ذلك والخروج من اتفاق الطائف ولو كان بحوزته قنابل نووية.
لذا يجب أن تكون معركتنا وأن تبقى معركة استمالة الوطنيين في لبنان من أجل التأكيد على اتفاق الطائف والدستور اللبناني والعيش المشترك وعروبة لبنان. وإذا استطاع حزب الله، في أيّ لحظة من اللحظات، استمالة الفريق السنّيّ بحجّة التفاهم على خلع ميشال عون، فسيكون ذلك بمثابة ترضية مشروطة بأن يتمّ الذهاب إلى الجمهورية الثالثة على أساس قواعد جديدة. وعندئذ ستكون نهاية لبنان.
معركتنا اليوم هي تأكيد العلاقة بيننا وبين كل الأطراف اللبنانية، مسلمة كانت أم مسيحية، ومحورها مَنْ يؤمن فعلاً بالثوابت التي ناضلنا من أجلها، وهي الشرعيّات اللبنانية والعربية والدولية. هذه هي أحزمة الأمان الثلاثة التي ستمكّننا من مواجهة تداعيات المرحلة القادمة المتسارعة".
فتفت: حزب الله يريد تفاهماً مع السُنّة
ثمّ كانت مداخلة الدكتور فتفت، فقال: "يجب أن يبقى تركيزنا على المشروع الحقيقي، مشروع حزب الله. فإذا قدر الحزب على أن يكون مصلحاً فسيضيع البلد. ربّما يحاول نصرالله استبدال التفاهم مع ميشال عون بتفاهم آخر مع السُنّة. وإذا كان قادراً على ذلك فسيكون الأمر مخيفاً وخطيراً جداً. وقد رأينا كيف تبنّى اللقاء التشاوري قضية رئيس الحكومة وبيان الرؤساء الأربعة. الموضوع الأساسي هو مشروع حزب الله إسقاط ميشال عون. إنّما بدأت تظهر في الإعلام بوادر فتنة سنّيّة – مسيحية، وهي تتطلّب معالجة سريعة. وقد بدأت تُوجَّه إلى الطائفة السنّيّة اتهامات خطيرة. أكيد، لم يتمّ الدفاع عن بيان الرؤساء الأربعة بشكل جيّد، وورد في صياغته أخطاء كثيرة. منذ شهور كنت أقول إنّ الطائفة السنّيّة، التي بدأت تشعر بالقهر، تعاني مشكلة. وكان البعض يرفض هذه الكلمة، لكنّها حقيقية. وجرت الأمور في الفترة الأخيرة بحيث زادت من هذا القهر. كان الاستغراب كبيراً جداً لكون الحصانة لم تُرفَع عن (المدير العام لأمن الدولة) اللواء طوني صليبا و(المدير العام للأمن العام) اللواء عباس إبراهيم، ثمّ وصلت القصة إلى الرئيس دياب. هناك شعور يجب أخذه بالاعتبار بأنّ هناك استقواء على الطائفة السنّيّة. هذا يفسّر، وأنا لا أبرّر، لماذا صدر بيان الرؤساء الأربعة، ولماذا صدرت ردّة فعل حتى من اللقاء التشاوري. هذا يلاقي ما قاله سعيْد من أنّ حزب الله يفتّش في مكان ما عن بديل طائفي لميشال عون، وهذه المرّة إذا لم يلقَه عند المسيحي فسيذهب إلى السنّيّ كي يدمّر الجمهورية الثانية عبر المؤتمر التأسيسي توصّلاً إلى الجمهورية الثالثة.
يجب أن يكون تأكيدنا على الثوابت والدفاع عنها هما الأساس. لكن يجب أن نفكّر كيف نواجه الحملة ذات الخلفية الطائفية كما تظهر في الإعلام الذي كان سابقاً إعلام 14 آذار. فهذه الحملة تدفع القاعدة السنّيّة إلى أن تقول: "شو المشكلة إذا اتفقنا مع حزب الله؟"، هذا الكلام بكلّ صراحة صرنا نسمعه في مكان ما، ومنه أنّه "إذا كان هناك من استهداف فسنذهب أبعد".
الإصرار على الخط السيادي وعلى الشرعيات والقرارات العربية والدولية هو طريقنا. لكنّ هذا لا يكفي. يجب القيام بخطوات سريعة باتجاه معالجة الحملة الإعلامية بسبب تأثيرها السلبي كثيراً على القاعدة السنّيّة التي لم يعد لديها إعلام في الوقت الحاضر. فلم يعد هناك تلفزيون المستقبل. وهذه مشكلة على الرغم من أنّه يجب ألا يكون هناك أيّ إعلام ذي طابع طائفي. لكنّ الإعلام الموجود حالياً، ولنكن واقعيين، إمّا بيد حزب الله وإمّا هو يمين وشمال من دون توجّه واضح. وأمّا الإعلام، الذي كانت له خلفيّات 14 آذار، فقد شرد قليلاً في الأيام الأخيرة، وهذا يخدم سياسة حزب الله ومشروعه".