"فتنة" بدلات الإنتاجية بين الأساتذة وموظفي المالية: قرار بإلغائها!

لم يبدر عن اجتماع وزير التربية عباس الحلبي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يوم أمس، أي مؤشر على قبول ميقاتي مضاعفة بدلات الإنتاجية للأساتذة كي تصبح 600 دولار، عوض مبلغ 300 دولار الحالي. سبق هذا الاجتماع لقاء الحلبي مع ممثلي روابط المعلمين الذي أصروا على زيادة بدلات الإنتاجية إلى ما لا يقل عن 600 بالشهر. وأبدى الحلبي تفهّمه لهم ووعدهم بتسوية الموضوع مع ميقاتي. لكن لا شيء إيجابياً لاح في الأفق سوى أنّ رئيس الحكومة سيبحث في إمكانية تأمين التمويل.

إشكالية مالية للدولة
أما حكومياً، فلم تناقش هذه المسألة بعد، وفق ما أكدت مصادر مطلعة لـ"المدن"، مشيرة إلى أنّ البحث ببدلات الإنتاجية بشكل عام، وليس مضاعفتها، سيتم لدى وضع الموازنة العامة المقبلة. أما المخاوف من زيادة حجم التعويضات فليس مرده إلى عدم وجود إيرادات في الدولة، بل لأسباب مالية تتعلق باستقرار سعر الصرف. فرغم أن إيرادات الدولة زادت عن ملياري دولار، إلا أنّ ضخّها في السوق بشكل غير مدروس من شأنه رفع نسبة التضخم، وإحداث خلل في ثبات سعر الصرف.

الإشكالية الحالية التي وقع بها الأساتذة تتمثّل بأنّ روابط المعلمين مصرّة، على مضاعفة بدلات الإنتاجية، وفي حال لم تتمكن من تنفيذ هذا المطلب ستفقد سبب وجودها، كما يؤكد مصدر نقابي، مشيراً إلى أنّه على الروابط التكاتف لتحقيق المطلب، حتى لو اقتضى الأمر الذهاب إلى الإضراب بعد انتهاء مرحلة تسجيل الطلاب وبدء العام الدراسي في مطلع شهر تشرين الأول.

مصادر نقابية عديدة قالت لـ"المدن"، إن ما يطالب به الأساتذة ليس مستحيلاً. ففي حال ضاعفت الحكومة قيمة بدلات الإنتاجية إلى 600 دولار، يصبح مجموع التعويضات التي يتلقاها الأساتذة (مع الرواتب السبعة التي يتلقونها شهرياً) بالشهر أقل من ألف دولار، ضمنًا بدل النقل.

وتضيف المصادر أنه عندما حددت بدلات الإنتاجية في شهر تشرين الأول الماضي (2023) بـ300 دولار قَبِل الأساتذة على مضض بهذا المبلغ، وسار العام الدراسي بشكل منتظم. لكن بعد إقرار الموازنة وارتفاع الضرائب ونسبة تضخم الأسعار تآكلت بدلات الإنتاجية. وحالياً لم تطالب روابط المعلمين بسلسلة رتب ورواتب جديدة، تُحاكي ارتفاع جباية الدولة بعد رفع الضرائب والرسوم، التي باتت على سعر صرف دولار السوق. فلا يجوز أن يكون كل تفصيل في البلد بسعر دولار السوق إلا الرواتب.

مقارنة وضعهم بموظفي المالية
ووفق المصادر، اكتفت روابط المعلمين بالمطالبة بمطلب عقلاني يتمثّل بمضاعفة بدلات الإنتاجية حتى تصبح 600 دولار، كي لا يقال إنها "تضع العصي بالدواليب" لعدم بدء العام الدراسي في حال طالبت بسلسة رتب رواتب جديدة. وتسأل المصادر: لماذا يستكثرون على الأستاذ هذه المبالغ فيما وزارة المالية منحت الموظفين فيها نحو 800 دولار بالشهر كبدل إنتاجية؟ أليس كل موظفي الدولة سواسية في ظل الأزمة الحالية؟

وتشرح المصادر أنه سبق وصدر قرار حمل الرقم 742/1 في النصف الثاني من شهر تموز، قضى بإعطاء العاملين في المديرة العامة للمالية بدل إنتاجية كمكافأة عن الأعمال الإضافية بقيمة 50 مليون ليرة بالشهر. ثم عدل القرار في نهاية تموز، وتقرّر إعطاؤهم 75 مليون ليرة بالشهر. ووجه الأساتذة وكل موظفي القطاع العام انتقادات كثيرة لهذا القرار. واعتبر الأساتذة أن موظفي الإدارة يداومون 14 يوماً بالشهر، ولديهم نظام مناوبة في العمل، ويتقاضون بدلات مثابرة تفوق بدلات الإنتاجية التي يتقاضاها الأستاذ. ورغم ذلك قررت وزارة المالية منح الموظفين فيها نحو 800 دولار بالشهر! فلماذا يستكثرون على الأساتذة زيادة بـ300 دولار على بدلات الإنتاجية؟ فهم يعملون طوال الأسبوع، وليس لديهم نظام مداورة بالعمل، ويحسم من بدلات الإنتاجية أي يوم غياب، حتى لو كان لدواعي مرضية.

تفاعلت الانتقادات التي وجهت لوزارة المالية طوال الشهر الحالي، وكادت أن تؤدي إلى فتن بين موظفي القطاع العام. ووصل الأمر إلى حد صدور قرار جديد يقضي بإلغاء القرار السابق يوم أمس. وينص القرار الذي حصلت عليه "المدن"، تحت الرقم 901/1، على أنّ وزير المالية قرّر إلغاء القرار 742/1 وتعديلاته، ويعمل به من تاريخ صدوره. وقد صدر القرار بتاريخ 27 آب الحالي.

مجرد شائعات مغرضة
وشرحت مصادر المالية لـ"المدن" أن ما أثير حول هذا القرار مجرد شائعات مغرضة وتلفيق فحسب. فالمبلغ المرصود هو اعتماد في الموازنة وليس سلفة خزينة (دين يفترض أن يستعاد عند الاستحقاق) كما هي حال بدلات الإنتاجية. وقد خصص الاعتماد لغاية محددة هي إنجاز أعمال قطع الحساب المتراكم منذ العام 2021. وهو لفئة محددة من الموظفين في المالية. أما المبالغ المنوه عنها فتدفع لقاء أعمال تنجز بعد دوام العمل لتنفيذ هذه المهمة لقطع الحساب. وحدّها الأقصى 75 مليون ليرة بالشهر، أي ليس بالضرورة حصول الموظف عليها كاملة. وهي محددة لغاية نهاية العام الحالي، أي مؤقتة.

وأكدت المصادر أن إلغاء القرار لا يعني إلغاء بدلات الإنتاجية. فالاعتماد موجود ومحدد للغاية الآنفة الذكر. وبالتالي، يفترض أن يصدر قرار جديد يحدد كيفية صرف الاعتماد كبدلات إنتاجية بعد تحديد الموظفين الذين يستفيدون منه، وتحديد كيفية حصولهم عليه.