فحوص الـDNA في عهدة المباحث الجنائية: تحديد الهويات أو "جثة مجهولة"

وضع قسم المباحث الجنائية يده على ملف فحوص الحمض النووي، منذ تسارع الحوادث الأخيرة في البلاد، وتزايد وقوع الضحايا مع إمكان ارتفاع أعداد المفقودين.

بعد الغارة التي استهدفت قلب الضاحية الجنوبية وتزايد عمليات العثور على أشلاء ورفات، تبيّن أن صورة المعارك وقواعد الاشتباك اتجهت إلى منحى آخر أكثر عمقا للداخل اللبناني. وتزامنا مع هذه المستجدات، طرأ تحديث على الملف الطبي - الصحي عموما، إذ أدخلت عليه مسألة فحوص الحمض النووي للتعرف إلى هويات الرفات المنتشلة.

فهل يمكن كل المستشفيات إجراء هذه الفحوص؟ وهل تتم بإرادة شخصية أو بطلب من الأجهزة المعنية؟ والأهم، ماذا عن الكلفة؟

يؤكد مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف الحلو لـ"النهار" أن "مسألة فحوص الـDNA ستتولاها المباحث الجنائية، أي أنها ستكون من صلب مهماتها، وهي من ستتابعها وتتواصل مع الأهالي".

ويلفت إلى أن "عددا من المستشفيات اللبنانية جاهز لإجراء هذه الفحوص، إنما اليوم تحديدا، المباحث الجنائية ستتولى الملف كله، على غرار ما يحدث في الكوارث الكبيرة".

بدورها، تفيد مصادر قضائية معنية "النهار" أن "عائلات قد ترفض إجراء الفحوص، ولكن في جرائم مماثلة، الأجهزة الأمنية -القضائية هي من تطلب منها هذا الأمر، توصلا إلى معرفة حقيقة المفقودين أو الرفات، وبالتالي نادرا ما يُرفض الطلب. من هنا، ينبغي التمييز بين حالتين: حادثة عادية، وجريمة كبرى تعتبر من الجرائم الوطنية التي تهز البلاد برمتها.

في الحالة الأولى قد يرفض البعض إجراء الفحوص، إنما في الحالة الثانية، يصبح الأمر مطلبا قضائيا أو عاملا مساعدا في مسار التحقيق، وغالبا ما يتولاه جهاز أمني محدد. لذلك، لا يرفض أحد من العائلات في هذه الحالة إجراء الفحص".

وتضرب المصادر مثالا على ذلك "موجة الاغتيالات التي عاشها لبنان إبان فترة الـ2005، ولاسيما جريمة استشهاد الرئيس رفيق الحريري لكونها أدت إلى استشهاد عدد من المدنيين، وفحوص الحمض النووي لم ترفض يومها، وكانت كفيلة بمعرفة هويات عدد من الضحايا".

بين 2010 و2020

عادة، تصرّ عائلات مفجوعة على معرفة هوية مفقوديها، أحياء أو أمواتا، ولا ترفض إجراء فحص الحمض النووي متى تطلّب الأمر ذلك.

تجربتان كبيرتان عرفهما لبنان في ما يتعلق بفحص الـDNA: عام 2010 إثر تحطم الطائرة الأثيوبية، وعام 2020 بعد انفجار مرفأ بيروت.

في بعض الكوارث المماثلة التي شهدها لبنان، جرت العادة أن يتولى إدارة الملف الطبي الجنائي قسم المختبر الجنائي في الجامعة اللبنانية، بالتعاون مع مُستشفى رفيق الحريري الحكومي، وبالتنسيق مع فريق الأدلة الجنائية التابع للأجهزة الأمنية المختصة. وكان فريق الجامعة اللبنانية يقدم تقاريره عن نتائج الفحوص، وتجري مطابقتها مع تلك التي تقدّمها الأجهزة الأمنية، قبل الإعلان عن هوية أحد من المفقودين.

خلال كارثة تحطم الطائرة الأثيوبية عام 2010، تمكّن لبنان من إجراء نحو أربعة آلاف فحص حمض نووي خلال أسبوع. يومها، أدرج مختبر رفيق الحريري ضمن المختبرات التي يمكن الاستعانة بها في حال حصول حوادث دولية، لكونه كان يملك الإمكانات والخبرات المطلوبة.

وبعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تولت إدارة هذا الملف الطبي الجنائي الأجهزة الأمنية حصراً، وتحديدا قسم المباحث الجنائية، تماما كما يحصل اليوم.

كان التواصل يتم مع أهالي المفقودين، تمهيداً لأخذ عيّنات منهم. يومها، كان المطلوب التعجيل في إصدار النتائج، لأن أهم ما يجب أن يقوم به الخبراء في تعريف الهوية الإنسانية هو تحديد العدد الأكبر للضحايا في منطقة الكارثة من خلال مقارنة البصمات الجينية بين عيّنات الأشلاء والعينات المرجعية المأخوذة من الأهالي الذين أعلنوا عن فقدان أولادهم.

تشرح أوساط طبية لـ"النهار": "في حال النتيجة الإيجابية، تسلّم الجثث أو الأشلاء إلى عائلاتها. أما تلك التي لا تثبت عودتها إلى أهالي المفقودين، فتحفظ تحت عنوان جثة مجهولة الهوية أو أشلاء مجهولة الهوية".

وتختم: "الكلفة تعتبر مرتفعة لكل الفحوص التي تتعلق بعلم الوراثة والجينات، مقارنة بالفحوص المخبرية الأخرى، إنما في الجرائم الوطنية، يتم الأمر على نفقة وزارة الصحة وفي أحد المستشفيات أو المختبرات الحكومية".