فرصة تاريخية لسوريا ولبنان: إيران و"الحزب" أمام مراجعة كبيرة

كان حلم ليلة صيف، استلهمه السوريون في الربيع، فتحقق في ليالي الشتاء. سقط بشار الأسد خلال عشرة أيام، من بدء تحرّك المعارضة باتجاه حلب إلى حماه فحمص فدمشق. حدث ما لم يكن متوقعاً، دخلت المنطقة في متحول جديد، ستمتد انعكاساته لسنوات. هي من القصص التي لا تصدق، وهو حدث لم تشهد المنطقة بضخامته منذ عقود. أوهام كثيرة سقطت، بأن النظام قوي، واستعاد نفسه، وأعيد تعويمه، وهناك من رفعه إلى مصاف صانعي الأحداث في الشرق الأوسط واستعادة التأثير في سوريا ولبنان. سقط وهم حماية النظام للأقليات. وحماية لبنان من توسع قوى المعارضة. أحلام كثيرة تتوالد في بناء سوريا الجديدة التي تحتضن كل السوريين. سقط النظام، ليستمر المخاض السوري بانتظار إنجاز ترتيبات سياسية ضرورية للحفاظ على وحدة سوريا.

الكلام المؤجل
لبنانياً، هناك كلام مؤجل منذ 12 عاماً، منذ لحظة اغتيال اللواء وسام الحسن. في حينها، طغت سردية اغتياله ربطاً بكشفه لملف "سماحة- مملوك". وهو مخطط تنفيذ تفجيرات في مناطق مختلفة من لبنان، ولا سيما بعض الكنائس، ومحاولة اغتيال البطريرك الماروني، لاتهام تنظيمات متطرفة بها.
لكن ذلك لم يكن السبب الحقيقي لعملية الاغتيال. الدافع الفعلي لاتخاذ القرار بتصفية وسام الحسن، كان لأن الرجل التقط الإشارات منذ بدايات الثورة وتحويلها من قبل النظام السوري إلى حرب أهلية طائفية، وإلى إبراز التنظيمات المتطرفة، وسعيها للدخول إلى لبنان لخلق تحديات لبنانية سورية مشتركة، وللعب على الوتر الطائفي. كان وسام الحسن قد التقط الكثير من المخططات في استباحة حدود لبنان من قبل بعض التنظيمات بناء على استراتيجية النظام، فعمل على خلق شبكة أمان واسعة في الداخل السوري من خلال صلات أمنية بالمعارضة المدنية وبالجيش الحر، لمنع أي من المجموعات المتطرفة من الاقتراب نحو لبنان، وذلك لإسقاط سردية بناها حزب الله يومها حول الانتقال إلى سوريا للقتال استباقياً.
عندما اغتيل وسام الحسن، سقطت شبكة الأمان تلك، بفعل تضعضعها وغياب الدينامو، الذي كان يعرف كيف يعزز دورها في تثبيت نقاطها على مشارف الحدود اللبنانية. بعدها تعرضت هذه المجموعات لعمليات تصفية من قبل النظام من جهة وبعض المجموعات المتطرفة من جهة أخرى، وكان في لبنان من يعزف حينها على وتر "دخول الإرهابيين" إلى عرسال. هكذا، لتحويل سردية الثورة إلى سردية الحرب التي على أساسها انخرط حزب الله فيها، ودخلت سوريا في المجهول، وتعايش حينها لبنان على الإيقاع السوري.

جسد متهالك
مع بداية التحرك الجديد لقوى المعارضة، حاول النظام ابتكار اللعبة نفسها، ولاقاه بعض اللبنانيين الذين بدأوا بالتهويل بأن هذه القوى هدفها لبنان. لكن ما جرى تقديمه من قبل كل الفصائل انطوى على مسؤولية كبيرة في إدارة العمليات داخل سوريا ومع دول الجوار. فكانت الرسائل واضحة إلى لبنان والعراق بأن لا أهداف لهذه الفصائل لدى الدولتين، مع تأكيد الحرص على العلاقات الأخوية.

انهار النظام السوري بعدما كان قد وصل إلى حالة من التهالك، وتحول إلى جسد منخور قائم على هياكل لا يمتلكها. وما عزز حالة التهالك هو الانهماك الروسي في أوكرانيا، وتلقي إيران لضربات قوية على ساحات مختلفة. فالحدث الزلزال في سوريا لن تكون تبعاته مقتصرة على الأراضي السورية وداخل الحدود. معادلة أثر الفراشة ستكون قائمة باتجاه لبنان، العراق، وإيران. في المقابل، فإن المشهد الذي جرى تقديمه من قبل المعارضة المسلحة فيه الكثير من الحرفية والتنظيم، منذ اللحظة الأولى إلى لحظة مرافقة رئيس الحكومة السورية في منزله، والإعلانات المتكررة حول الحفاظ على المؤسسات العامة وعدم استخدام السلاح، والاستعداد لتأمين فرص الانتقال السياسي.

فرصة يبنى عليها
ثمة نقطة في غاية الأهمية ولا بد من التوقف عندها، وهي عدم خوض الجيش السوري لأي معارك في كل المحافظات التي تقدّمت فيها المعارضة، وانسحاباته التي أجراها تحمل الكثير من المؤشرات والترتيبات، بإمكانية الحفاظ على المؤسسة العسكرية وعدم سقوطها وانهيارها وتشظيها، وعدم تكرار نموذج حلّ الجيش العراقي. وهذه فرصة يُبنى عليها، على الرغم من أن سوريا ستكون بحاجة إلى فترة من الوقت في سبيل إعادة تركيبها، فالتحديات الأكبر تتصل بكيفية الحفاظ على وحدتها، وهذا يحتاج إلى ترتيب سريع يتم من خلاله إشراك كل أطياف مكونات المجتمع السوري، وخصوصاً أبناء الطائفة العلوية والأكراد، في بناء سوريا الجديدة، والتأسيس لمرحلة ما بعد الأسد.

لا بد لهذا التحول أن يكون له انعكاسات كبيرة على لبنان، بدءاً من وقف استباحة الحدود، وقطع طريق الإمداد من العراق إلى سوريا وصولاً للأراضي اللبنانية. وهذا ما سيترافق مع إعادة تغيير في الموازين السياسية، التي لا بد لها أن تكون مبنية على التوازن.
كان العراق قد التقط كل هذه التحولات، وسط معلومات تفيد بنقاش جدي في الداخل العراقي حول الحفاظ على التوازن الداخلي وفي العلاقات الخارجية. ما جرى لا بد أن تتسع انعكاساته لتطال جهات مختلفة، ولا سيما إيران التي ستكون أمام مراجعة كبيرة لكل السياسات والاستراتيجيات، والتفضيل ما بين خيار الثورة أو الدولة، خصوصاً ما بعد عملية طوفان الأقصى إلى ما بعد سقوط الأسد، وما بينهما الضربات التي تلقاها حزب الله، الذي بدوره أيضاً سيكون أمام تحديات كبيرة تتصل بدوره و"عودته" إلى لبنان.