فقر اللبنانيين يجعلهم أسرى سيارات "هالكة": من يُحدّد صلاحيتها للسير ومن يضمن دخولها؟

بعد توقف المصارف عن التسليف، وبعد ضمور رواتب اللبنانيين، وتوقف الشركات شبه الكلي عن تقسيط بيع السيارات، تحوّل اللبنانيون أكثر نحو السيارات المستعملة، فباتوا طرائد سهلة لبعض التجار، الذين يستوردون سيارات "هالكة" وفق المعايير التقنية لدول مثل أميركا، والاتحاد الأوروبي، ويقومون بترميم هياكلها، وإصلاح الأضرار الجسيمة فيها، ووضعها قيد الخدمة على الطرقات.
 
وبرغم أن موضوع "الغش" في "أهلية" السيارات المستوردة، لدى قلة من تجارها ومستورديها، ليس بجديد على السوق اللبنانية، بات تفشي هذه الظاهرة في الأعوام الأخيرة، مثار حذر وخوف كبيرين لدى أهل القطاع عموماً، ومصدر قلق على سلامة مشتريها ومستخدميها.
 
مصدر القلق ليس انتشار بيع السيارات "المرمّمة" بكثرة في المعارض، ولدى الطارئين على المهنة فحسب، بل استمرار ذلك تحت "عينك" يا دولة دون أي إجراءات، أو خطوات مالية وجمركية، تردع جشع بعض المستوردين، ودون وجود آلية قانونية أو تقنية تمنع تسلل السيارات "الخردة" إلى السوق اللبنانية، وبيعها للمواطنين، دون أي اعتبار للمخاطر المحدقة بهم وبعائلاتهم.

والمعلوم أن غالبية هذه السيارات مشتراة ومستوردة من المزادات العلنية التي تجريها شركات التأمين في الاتحاد الأوروبي والولايات الأميركية المتحدة، على السيارات التي تعرّضت لحوادث سير قاتلة، أو أصيبت بأضرار، أو بغرق في الفيضانات والأعاصير التي تحدث بكثرة في تلك المناطق.
 
بيد أن رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة إيلي قزي يوضح لـ"النهار" أن "معظم دول العالم وليس لبنان فقط، تسمح بشراء سيارات مستعملة من خلال المزاد، وكلها تعرّضت لحوادث بسيطة"، لافتاً إلى أن "التجار لا يغامرون باستيراد السيارات غير الصالحة للسير أو تلك المتضررة في هيكلها الداخلي".

فالزبون اللبناني وفق ما يقول "على درجة كبيرة من الوعي والذكاء إذ يكفي أن يتابع تاريخ السيارة عبر الـ Carfaxبوضع رقم الشاسيه، ليحصل على كل المعلومات المتعلقة بالسيارة.

وإذا اكتشف أي ضرر طال هيكلها الداخلي فإنه قطعاً لن يشتريها.

وتبعاً لذلك أحجم التجار عن شراء السيارات المتضررة كثيراً على اعتبار أن تكاليفها مرتفعة وأرباحها ضئيلة".
 
أما رئيس جمعية ممثلي صانعي المركبات العالميين في لبنان (AIA) نبيل بازرجي فيشير إلى أن "القانون واضح بحظر دخول السيارات المتضررة إلى لبنان"، لافتاً إلى أن "بعض التجار اللبنانيين يستوردون السيارات المتضررة التي تبيعها شركات التأمين في المزادات العلنية في الخارج كسيارات صُنّفت "هالكة" دون أيّ رقابة فعلية عند وصولها إلى لبنان".

أمّا التذرع بإمكان تتبّع تاريخ السيارة عبر الـCarfax، فهو أمر غير مضمون برأيه، لعدم دقتها في تحديد المعلومات عن السيارات المستعملة في الخارج". وأشار في السياق إلى أن بعض التجّار "يتشاطرون" خصوصاً في ظل غياب المعاينة الميكانيكية كلياً، فيتعمّدون استيراد السيارات "المضروبة" بضرر كبير إلى البلاد، ويرسلونها مباشرة إلى ورش التصليح والميكانيك، لتخرج إلى معارض البيع بكامل أناقتها المفخّخة بالخطر على السلامة العامة، وعلى سلامة سائقيها ومرافقيهم". 

مسؤولية "الجمارك"؟
ينص قانون السير على إنشاء مراكز معاینة میكانیكیة خاصة في المنافذ البحریة والبریة التي تستقبل المركبات المستعملة المستوردة من الخارج للتحقق من مطابقة المركبات المستوردة لمواصفات الصانع. وریثما یتم إنشاء ھذه المراكز، على المستورد عند استیراد المركبات المستعملة أن یبرز لدى إدارة الجمارك رخصة سیر المركبة وشھادة من مركز معاینة میكانیكیة من بلد التصدیر لا یتعدّى تاریخھا شھرین یسبق تاریخ الشحن الفعلي تؤكد صلاحیتھا للسیر".
 
ومن الأمثلة التي يوردها القانون عن المركبات المحظورة تلك التي تعرّض هيكلها الأساسي للصدم، أو تعرّضت للحام، أو توصيل، أو حريق، أو غرق، أو تآكل يؤثر على متانتها، أو على میزانیتھا، وكذلك استیراد أنصاف المركبات سواء مقدماتھا أو خلفیاتھا، منعاً لإعادة جمعھا بواسطة التلحیم أو التوصیل عند دخولھا الأراضي اللبنانیة.
 
مصادر جمركية أكدت "عدم مسؤولية الجمارك عن فحص السيارات المستعملة، بل هي مسؤولية مراكز المعاینة المیكانیكیة الخاصة الواردة في قانون السير".

بيد أنه في انتظار إنشاء هذه المراكز، أوعز المدير العام للجمارك بالإنابة ريمون خوري منذ نحو 4 أعوام إلى عناصر الجمارك "فحص السيارة فنياً للتأكد من مطابقتها للقانون، وذلك على الرغم من عدم وجود معدات خاصة بذلك".

وكذلك لا إمكانية للجمارك الولوج إلى الـCarfax التي تتيح إمكانية معرفة تاريخ السيارة والمعلومات عنها، علماً بأن المعلومات من الـCarfax ليس بالضرورة أن تكون دقيقة كلياً". وفيما يتهم البعض عناصر جمركيين بقبض رشى لإدخال سيارات غير مطابقة للمواصفات التي وضعها القانون، أكدت المصادر أن "إطلاق التهم جزافاً بحق العناصر غير مقبول.

فمديرية الجمارك تطبّق قانون السير، ولا يمكن أن تخرج سيارة غير مطابقة للمواصفات، وأيّ شكوى بحق أيّ عنصر يُفترض أن يبلغ بها المدير العام للجمارك لكي يتخذ الإجراءات المناسبة بحقه".