المصدر: لبنان الكبير
السبت 29 أيار 2021 19:40:09
نشرت مجلة “فورين بوليسي” البريطانية مقالاً بعنوان “الجمهورية الإسلامية تحتضر”، حذر من أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المرتقبة الشهر المقبل تمثل نقطة تحول بالنسبة للبلاد ولكن بشكل حرج، خصوصاً في ظل تضييق الخناق على المرشحين المعتدلين. وفي ما يأتي ترجمة لبعض ما ورد في المقال الموقع من قبل المحلل السياسي والباحث في المجلس القومي الإيراني الأميركي، سينا توسي.
“(…) يشكل استبعاد رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني تذكيراً واضحاً بما يقع على المحك في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المرتقبة في حزيران. ففي الوقت الذي أعرب فيه لاريجاني عن دعمه للمفاوضات مع الغرب من أجل رفع العقوبات ومعالجة الملف النووي (…) عبّر منافسه المحتمل والرئيس الحالي للسلطة القضائية المتشدد إبراهيم رئيسي، عن وجهة نظر مخالفة تماماً، داعياً لحل المشاكل الاقتصادية للبلاد من خلال إدارة القدرات البشرية والطبيعية بشكل صحيح، بدلاً من السعي للتفاوض مع العدو. لكن تنحية لاريجاني وغيره من المعتدلين والإصلاحيين البارزين من الانتخابات، والتي تعبّد الطريق أمام وصول رئيسي بلا منازع عملياً إلى الرئاسة، تتجاوز الملف النووي. ففي هذه الانتخابات التي تمثل نقطة انعطاف في التاريخ السياسي لجمهورية إيران الإسلامية، يناور المتشددون أصحاب وجهات النظر الاستبدادية والمعادية بشدة لأميركا بوقاحة لإخراج منافسيهم المعتدلين من المشهد السياسي.
ومنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية كما تصورها من البداية مؤسسها آية الله الخميني كمزيج بين تفسيره للفلسفات السياسية الشيعية والجمهورية الغربية والسياسات الانتخابية (…) برز خط الصدع السياسي الرئيسي داخل النظام اعتباراً من التسعينيات إلى حد كبير بين مؤيدي هيمنة المؤسسات الدينية على الدولة والداعين لتمكين المؤسسات الجمهورية (…) ويظهر هذا الصدع من خلال الاختلاف حول السياسة الخارجية، حيث يدعو المتشددون الثيوقراطيون إلى سياسات الاكتفاء الذاتي والعزلة ويعارضون تحسين العلاقات مع الغرب، بينما تدعم القوى ذات العقلية الإصلاحية التعامل مع الغرب والحلول الدبلوماسية للنزاعات في البلاد وخارجها.
وقد حاولت المؤسسات الثيوقراطية على مر السنين، القضاء على الإصلاحيين ومنعهم من الوصول لمراكز السلطة. ومنع مجلس صيانة الدستور معظم الإصلاحيين من خوض الانتخابات البرلمانية لعام 2004 بعد الانتصار المفاجئ للإصلاحي محمد خاتمي في العام 1997. وتلا انتخابات 2009 التي خاضها المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي استبعاد صادم للرئيس المعتدل السابق أكبر هاشمي رفسنجاني من الترشح لدورة 2013. كما قوبل انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني في ذلك العام وإعادة انتخابه في العام 2017 باستبعاد معظم المعتدلين خلال الانتخابات البرلمانية العام الماضي.
النمط واضح للغاية إذ يميل المعتدلون للفوز بالانتخابات عندما يسمح لهم بالترشح، لذلك يحاول المتشددون بشكل مستمر قمع أكثر الشخصيات السياسية الواعدة بالنسبة للمعتدلين. وتعكس انتخابات هذا العام المحاولة الأكثر وضوحا للمتشددين في تاريخ إيران الحديث ليس فقط لإقصاء منافسيهم، ولكن لمحو خط تفكيرهم بالكامل من المشهد السياسي. وعلى الرغم من أن لاريجاني ليس إصلاحياً، أوضح في الأسابيع الأخيرة أن أجندته ستركز على النمو الاقتصادي والتكامل مع الاقتصاد العالمي والعلاقات الأفضل مع جميع القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة. كما أكد على إمكانية إجراء مفاوضات أوسع مع الولايات المتحدة إذا عادت إلى الاتفاق النووي. وقد يعتبر المتشددون الإيرانيون أجندة لاريجاني بمثابة استمرار للاتجاهات التي اعتبروها خطيرة وسعوا إلى عكسها في ظل روحاني. وكان المرشد الأعلى علي خامنئي قد حذر في أعقاب الاتفاق النووي 2015، من الجهود المبذولة من قبل أعداء البلاد للتسلل السياسي والثقافي إلى إيران ولتخريب الجمهورية الإسلامية من الداخل.
(…) ويعاني المعسكر السياسي الإصلاحي والمعتدل في إيران حاليًا من العجز بمواجهة الاستيلاء الصريح على السلطة. وفي الوقت نفسه، يتقدم رئيسي في استطلاعات الرأي ويعتقد على نطاق واسع أنه يطمح لخلافة خامنئي كمرشد أعلى (…) أما الشخصيات المحيطة برئيسي فهي مما يعرف بجبهة استقرار الثورة الإسلامية أو جبهة التحمل، أكثر الفصائل تطرفاً في إيران (…) وسعت جبهة التحمل لسنوات إلى إقصاء المعتدلين من المشهد السياسي الإيراني. في السنوات الأخيرة، تمت الإشارة إلى مقتل رفسنجاني بدلاً من موته بنوبة قلبية، كما تعرضت حياة روحاني للتهديد. ودعت شخصيات مثل علي رضا زكاني وأمير حسين غازي زاده المرشحان المتشددان المتوقع انسحابهما لصالح رئيسي قبيل بدء التصويت، صراحة إلى طرد جميع مؤيدي الدبلوماسية مع الغرب من النظام.
(…) وقد تعرض الرئيس الإصلاحي السابق خاتمي للإقصاء وحظر ذكره في المنافذ الحكومية، ويخضع موسوي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الثمانينيات والمرشح الرئاسي لعام 2009، للإقامة الجبرية منذ العام 2011. واختلف الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد مع النظام ثم استبعد من الترشح لانتخابات هذا العام. ومن المقرر أن تؤدي الانتخابات إلى تقليص حجم الجمهورية الإسلامية من خلال إظهار حرمان المعتدلين من أي فرصة حقيقية للتنافس على الرئاسة.
ووجه حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية حسن الخميني، انتقادات شديدة لقرارات الاستبعاد الصادرة عن مجلس صيانة الدستور وإنكار “حقوق الشعب” وتجاهل المؤسسات الجمهورية للنظام باعتبارها تتعارض مع النظام الذي أسسه جده ومع الثورة. كما أعلن خاتمي أن الجانب الجمهوري من النظام يتعرض لتهديد خطير ولا يمكن لأحد التصرف والوقوف بلا مبالاة. وفي غضون ذلك، أعلن روحاني أن جوهر الانتخابات هو المنافسة، وإلا ستصبح “جثة هامدة”. لكن المتشددين في إيران يسعون بعد سنوات من التمكين بموازاة الضغط الأميركي في ظل إدارة ترامب، إلى تعزيز قوتهم الكاملة. وقد يضعون نصب أعينهم الهدف النهائي المتمثل بتعيين رئيسي المرشد الأعلى المقبل. وبذلك، يلوثون الجمهورية الإسلامية بقدر أكبر من عدم الشرعية ويقومون بعزلها عن الجماهير التي ساعدت على إبقائها في السلطة منذ العام 1979″.