فوضى المتممات الغذائية: "الصحة" تسحب منتجات من الأسواق

منتجات ملوّنة وجذّابة تملأ رفوف الصيدليات والمحال التجارية وحتى منازل اللبنانيين، فيتامينات، مساحيق للتنحيف، حبوب للنوم، مكمّلات رياضية، حلوى مطاطية “Gummies” تدّعي تأخير الشيخوخة أو تحسين الهضم. إنها المتممات الغذائية، التي غزت السوق اللبنانية منذ نحو عقدين بلا رقابة حقيقية، وباتت جزءاً من الثقافة الاستهلاكية اليومية، يصفها الجيران لبعضهم البعض، وتروّج لها صفحات "إنستغرام" بعبارات جذّابة، لكن خلف هذه الصورة مشهد فوضوي لا يقلّ خطورة عن الأدوية المزورة.

سحب منتجات من السوق

في الأسابيع الأخيرة، أثار الجدل حول مصنع محلي لإنتاج المتممات الغذائية قضية الرقابة المهملة على هذه المنتجات، ما دفع وزارة الصحة إلى التحرّك وإطلاق وعود بالإصلاح.

ووفق مصادر خاصة في وزارة الصحة، فإن إحدى المتممات الغذائية التي جرى سحبها مؤخراً من السوق هو “Propolife”، وهو منتج يُستخدم عادةً لدعم الجهاز المناعي، ويحتوي على مستخلص البروبوليس (صمغ النحل)، ويتم تصنيعه من قبل شركةPharma M.  كما تم سحب منتج آخر هو “Bebelax”، وهو متمم غذائي يُستخدم لتحسين الهضم وتخفيف أعراض الانتفاخ والمغص عند الأطفال.

وتشير المصادر إلى أن "معظم هذه المتممات لا يتم تصنيعها بالكامل في لبنان، بل يتم استيراد المواد الأولية من الخارج وتجميعها محليًا، ما يزيد من صعوبة التتبع وضمان الجودة، خصوصاً في غياب مختبر وطني مركزي لفحص هذه المواد".

تحرك وزارة الصحة

في تصريح خاص لـ "المدن"، يؤكد وزير الصحة الدكتور راكان ناصرالدين، أن "الوزارة تتابع موضوع المتممات الغذائية بشكل علمي ومهني"، مضيفاً: "قمنا بالكشف على المصنع الذي أثار الجدل مؤخراً، وسحبنا عينات من منتجاته من داخله ومن الصيدليات، وأرسلناها إلى التحليل. وسنتخذ إجراءات قانونية صارمة إذا ثبت وجود خلل".

ويضيف: "المتممات الغذائية لا تخضع للفحوصات نفسها الصارمة المفروضة على الأدوية، وهذه ثغرة نحاول معالجتها. منذ تسلمي الوزارة، فعّلت لجنة المتممات الغذائية التي كانت متوقفة منذ سنوات، وحددنا لها صلاحية تقييم المنتجات ومنح التراخيص بناءً على تقارير علمية".

ويشدد ناصرالدين على أن الوزارة "فعّلت أيضًا فرق التفتيش على الصيدليات والمصانع، وتنسّق مع نقابة الصيادلة لضبط أي تهريب أو تصنيع غير شرعي".

سوق بلا مختبر ولا قانون

ويوضح الدكتور إسماعيل سكرية، المتخصص في أمراض الجهاز الهضمي ورئيس جمعية "الصحة حق وكرامة"، أن "المتممات الغذائية أُخرجت من سلطة قانون مزاولة مهنة الصيدلة منذ العام 1998 بمرسوم وزاري، ما أتاح تسويقها كمنتجات غير طبية من دون الخضوع لفحوصات مخبرية دقيقة".

ويضيف: "منذ ذلك الحين، تضاعف عدد الأصناف ليصل إلى أكثر من 5000 صنف، من دون مختبر مركزي يفحصها أو جهة رقابية فاعلة. تُباع على أنها طبيعية أو عشبية، لكنها في الحقيقة ميدان مفتوح للتجارة وتحقيق الأرباح على حساب صحة المستهلك".

سكّرية، الذي قدّم ملفاً مفصلاً بالأرقام والمعلومات أمام مجلس النواب وأحزاب سياسية، يؤكد أن "الردود كانت سطحية، أو شبه معدومة، ما يفتح الباب أمام التواطؤ أو التراخي في التعامل مع هذا الملف الخطير".

أنواعها… وطريقة الاستخدام

يشرح طبيب صيدلي، فضل عدم الإفصاح عن اسمه، أن "المتممات الغذائية تشمل الفيتامينات بأنواعها، البروبيوتيك، المنتجات التي تُسوّق لتخفيف الوزن، تقوية الشعر والأظافر، تحسين المزاج والنوم، أو دعم المناعة".

ويشير إلى أن "الاستهلاك لا يتم بالضرورة تحت إشراف طبي، بل بناءً على توصيات من المروّجين أو المعارف. في بعض الحالات، تأخذ سيدة مكمّلاً لحرق الدهون لأنها قرأت تعليقاً إيجابياً على الإنترنت، من دون أن تعرف أنه يتفاعل مع أدويتها المزمنة أو قد يسبب اضطراباً في الكلى أو الهرمونات".

أسعار مرتفعة… وجودة مشكوك بها

تُسعّر هذه المنتجات بأسعار تفوق أحياناً أسعار الأدوية المرخّصة. يعلّق الدكتور سكّرية: "منتج محلي يُفترض أن يكون رخيصاً، لكننا نراه يُباع بـ50 إلى 100 دولار، تحت عناوين تجارية مضلّلة. هذه ليست تسعيرة وزارة، بل تسعيرة سوق فوضوي هدفه الربح لا أكثر".

في المقابل، يشير الصيدلي نفسه إلى أن "المنتج المستورد قد يكون أغلى لكنه غالباً يخضع لفحوصات مخبرية صارمة في بلده الأم، بعكس ذاك المصنّع محلياً".

كيف يُروّج لها؟

تستخدم شركات تصنيع المتممات الغذائية وسائل التواصل بكثافة: مؤثرون (Influencers)، إعلانات ممولة، شهادات من "أطباء" أو "خبراء تغذية" لم يتم التأكد من مؤهلاتهم، وبالطبع صفحات خاصة تحمل أسماء جذّابة مثل "جسمك حلو"، أو "صحة وجمال".

ويجري الترويج لها تحت غطاء قانوني رمادي، فهي ليست أدوية كي تُراقب من الوزارة بشكل صارم، وليست مواد غذائية خالصة كي تُفحص من قبل وزارة الاقتصاد أو الزراعة.

ويقول مصدر قانوني في نقابة الصيادلة، فضّل بدوره عن الكشف عن اسمه: "في حالات كثيرة، نكتشف أن منتجاً يُسوّق عبر الإنترنت على أنه مرخّص من الوزارة، لكنه غير مسجّل أصلاً. وللأسف، لا يمكننا سحب هذه المنتجات إلا بقرار من التفتيش الصحي أو بإشارة قضائية، ما يتيح لها الانتشار بحرّية".

فوضى المتممات الغذائية ليست إلا امتداداً لأزمة أكبر يعيشها السوق الدوائي اللبناني. ففي السنوات الأخيرة، شهدت البلاد تفشي أدوية مزوّرة، بعضها يأتِي من مصانع غير شرعية، أو يُدخل عبر التهريب، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي جعلت الحصول على أدوية أصلية أكثر صعوبة.

رغم التصريحات الرسمية، لا يزال السوق عرضة للعبث بصحة الناس. فبين ضعف الرقابة، وانعدام الوعي، والفجوات القانونية، بات المستهلك اللبناني فريسة سهلة لحبوب ملوّنة بلا ضمانات. فهل تنجح وزارة الصحة في سدّ هذه الثغرة، أم يستمر السوق المفتوح على صحّة المواطن؟