في بلد باتت صفته الاساسية الفساد... لماذا يقتصر التدقيق الجنائي على المركزي؟!

بين نص العقد الموقع مع وزارة المال من جهة، وقانون النقد والتسليف الى جانب السرية المصرفية، لم تحصل شركة Alvarez & Marsal على اجوبة من مصرف لبنان ، بما يمهد لها الانطلاق بالتدقيق الجنائي.
واذا كان هناك اي عائق يحول دون الولوج الى حسابات ومستندات المصرف المركزي، فلا بد من تعديل بعض القوانين، فان الفساد والهدر والسرقات تعم كافة المؤسسات والادارات العامة، فلماذا لا يتم البدء من مكان آخر؟!
فقد اشار مصدر اداري ان كتل الانفاق الكبيرة هي التي ادت الى عجز الدولة، وانهيار الوضع المالي، وصولا الى توقف المصارف عن الدفع للمودعين، ولا تتوقف على مؤسسة واحدة.

بين العادي والجنائي
واوضح المصدر عبر وكالة "أخبار اليوم"، انه لا بد من التمييز بين التدقيق المالي العادي والتدقيق الجنائي، شارحا ان التدقيق العادي يقتصر على تطابق البيانات مع قواعد المحاسبة والمستندات التي تبررها، دون التدخل في العمق والبحث في الخلفيات، بمعنى آخر ينطلق من "نية سليمة" كونه يركز على العمليات المسجلة وصحة الحسابات ومدى التزامها بالقواعد والقوانين والتأكد من ذلك.
اما التدقيق الجنائي، ينطلق من الشك بعمليات مشبوهة وغير واضحة، او "النية السيئة" بوجود سرقة تشكل عناصر جرمية، وهنا لا يمكن الاكتفاء بالعناية التي يبذلها المدقق العادي، بل يتعدى ذلك ويتعمق في البحث بالوقائع والتشريح والفحوصات للوصول الى الاسباب الحقيقية التي ادت الى حصول تجاوزات وخرق للقانون.

اللائحة طويلة
واذ لفت الى ان تطابق الارقام والحسابات، في بعض الاحيان لا يعني انه لا يوجد عمليات سرية اخفت وراءها الكثير من الاموال، وبالتالي من هنا اهمية التدقيق الجنائي بعدما دخل البلد في انهيار مالي ادى الى تجميد ودائع الناس في المصارف، وفقدان الدولار وارتفاع سعر الصرف، وعجز المالية العامة للدولة عن تسديد ديونها الناتجة عن الهدر، وبالتالي يجب الانطلاق من الهدر الذي تسبب بالازمة التي وصلنا اليها.
وردا على سؤال، قال المصدر: نسمع اليوم الكثير عن مصرف لبنان، ولكن في الدولة اللبنانية الكثير من المؤسسات التي يتم التصرف فيها بعيدا عن الاصول وخارج القانون، ومن ابرزها: مؤسسة كهرباء لبنان، وزارة الطاقة، صندوق المهجرين، الهيئة العليا للاغاثة، مجلس الانماء والاعمار، التوظيف العشوائي، والعديد من المجالس والادارات والصناديق السوداء حيث اللائحة طويلة جدا.
واضاف: على سبيل المثال، مؤسسة كهرباء لبنان –وهي من المؤسسات الضخمة - من الاساس ليس لديها حسابات، فلا ترسلها الى اي جهة ولا احد يسأل عنها، وما هو حاصل يشكل جريمة تأخذ الى المجهول والانهيار غير المعلن... لا بل هذا ما وصلنا اليه.

مستويان للرقابة
وسئل: من المسؤول عن الانفاق في هذه الوزارات والادارات والمؤسسات العامة؟ اجاب المصدر: هناك مستويان للرقابة في كل القطاع العام: التدقيق الداخلي Internal control، ثم ديوان المحاسبة.
واشار الى ان التدقيق الداخلي يتولاه موظفون بحسب التسلسل التراتبي الاداري، حيث كل معاملة تمر على عدد من الموظفين لتصل الى مرحلة اتخاذ القرار بشأنها لجهة الموافقة على الدفع او على الفواتير والطلبات.... او ربما رفضها. ومن المفترض ان يقوم كل موظف بدوره، واذا لم يكن هناك اي مشكلة تنتهي المعاملة بالموافقه .
ولكن اوضح المصدر ان كل معاملة تتجه الى وزارة المال من اجل صرف الانفاق، و هذا ما يفترض الاستلام والكشف والتصفية والتدقيق - بالشكل وليس بالخلفيات - وصولا الى الموافقة من قبل وزير المال، وفي هذا المسار ايضا ان لم يسجل اي اعتراض يحصل الدفع.
اما على مستوى الصفقات، فيفترض ان تمر بديوان المحاسبة، ولكنها تمر بغض النظر عن وجود اي خلل او "الزعبرة".
وقال المصدر على هذا المستوى تطرح اشكالية استعادة "المال المنهوب"، فهل نهب خلافا للقانون او تم بتغطية من القانون نفسه!

المال السائب
وردا على سؤال، اعتبر المصدر ان "مال الدولة اللبنانية" سائب، اذ ان قطع الحساب وحساب المحتسب عن تنفيذ الموازنات العامة في الادارات الرسمية متوقف منذ العام 1990، واذا احتسبنا سنوات الحرب، فيكون متوقفا منذ العام 1976. باستثناء انجاز حساب واحد يعود للعام 1997 وكان قد فات اوانه ولا منفعة منه .
وفي هذا السياق، اشار المصدر الى ان التدقيق المطلوب لا يعني الاقرار بصحة الحسابات، لجهة تطابق الارقام مع المستندات لا بل يجب الذهاب الى تحديد مدى قانونية هذا المستند. الامر الذي يتم عبر ديوان المحاسبة من خلال لجنة المراقبة السنوية على المؤسسات العامة، التي يفترض ان تُشكل بموجب مرسوم لكنها منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي لم تعد موجودة.
واعتبر المصدر ان الاستعاضة عنها بمكاتب التدقيق الخاصة، لا يفي بالغرض لان مهمة هذه المكاتب تشمل فقط نتيجة الارقام وميزانية اي شركة، بمعنى انها لا تتدخل لا بقطع الحساب، ولا بتنفيذ الموازنة ولا حساب المحتسب وهو كناية عن الحسابين يظهر فيهما الهدر والفساد.