المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الاثنين 23 آذار 2020 15:15:06
بدم بارد وفي وضح النهار، يقتل مواطن لبناني غدرا على يد مجهولين افرغوا رصاصاتهم في جسده، واختفوا. بعد التدقيق في هوية الضحية، يتبين انه انطوان الحايك وانه كان احد معاوني عامر الفاخوري. نعم، اليوم، وبعد مرور عقود على انتهاء فصول الحرب اللبنانية وسنوات على انسحاب الجيش الاسرائيلي من الجنوب، لا يزال بعض اللبنانيين يُحاسَبون على خياراتهم السابقة، والاخطر ان محاسبتهم هذه، تحصل على يد أفراد ومجموعات لا عبر الدولة والقانون، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ"المركزية". والحال، ان الحايك حوكم في القضاء وبُرّئت صفحته وعاد ودخل سلك قوى الامن الداخلي. وسواء أعجب هذا الحكم الرأي العام ام لا، فإن الرضوخ له واجب، والا تحوّلنا من "دولة" مفترضة الى "شريعة الغاب" وحارة "كل مين ايدو الو". وعندها مثلا، يصبح مبرّرا ان يلجأ كلّ من تمّ تعذيبه في "البوريفاج" ابان الاحتلال السوري وفي أقبية وزارة الدفاع في ذلك الحين، الى الانتقام لأنفسهم بأنفسهم، من الشخصيات التي كانت تنكّل بهم، او ممّن تواطأ معها، وهي كلّها معروفة. كما ويصبح مشروعا ايضا لذوي هاشم السلمان الذي قتل امام السفارة الايرانية منذ اعوام، ولذوي جوزيف صادر الذي اختفى على طريق المطار ولم يعد الى اهله بعد، ان يأخذوا حقّهم بيدهم. فهل هذا هو المطلوب؟
واذ توضح ان العمالة هي ان يبدّي المواطن مصلحة دولة اخرى-ايا تكن- على مصلحة بلاده، تشير المصادر الى ان مسلسل الممارسات هذه، اذا استمر، فإنه سيعرّض السلم الاهلي برمّته للسقوط، في توقيت مفصلي من عمر البلاد. وعليه، من الضروري ان تسارع الدولة- التي لم ينبث اي من القيمين عليها ببنت شفة ازاء الجريمة- عبر اجهزتها الامنية الى توقيف المجرمين، قبل ان "يفلت الملقّ". وهنا، من المفيد ان يصار الى التذكير بأن حزب الله والتيار الوطني الحر في ورقة تفاهم مار مخايل، حرصا على حل قضية المبعدين قسرا الى اسرائيل، وعلى متابعة هذا الملف برمّته، قضائيا.. فهل من المقبول ان تُنكأ جراح الماضي من جديد اليوم، بتصرفات كهذه، فيما هما يمسكان بزمام الحكم كاملا؟
الحايك قتل لانه عاون الفاخوري في معتقل الخيام، على ما يقول "الممانعون" الذين هللوا لما حصل، لكن الاخير عاد منذ يومين الى الولايات المتحدة، بعد ان عجز اهل السلطة كلّهم، عن الوقوف في وجه ضغوط واشنطن لاطلاق سراحه. والغدر بلبنانيين عزّل قابلوه او عايشوه في الماضي، والاستقواءُ عليهم لانهم لا يحملون الجنسية الاميركية، لن يبددا حقيقة مشاركة اهل الحكم مجتمعين، في اخراج الفاخوري، ولن يعوضا "ضعف" الدولة او يخفيا حقيقة انها تخاف على مصالح مكوّناتها، اكثر من خوفها على المصلحة الوطنية العليا.
واذا كان العهد وحلفاؤه حريصين على السلم الاهلي وعدم ايقاظ الفتنة، فعليهم باستنكار ما جرى اولا، وبضرب كل من تسوّل له نفسه الحلول مكان المؤسسات والاجهزة، وبيد من حديد، ثانيا. اما الاهم، فيبقى الاقلاع عن منطق تخوين الآخر، لأنه يعطي المبررات اللازمة لمن يعتبرون انفسهم اكثر وطنية من سواهم.. كل ذلك في انتظار كتابة تاريخ الحرب اللبنانية بصورة موضوعية عادلة، لا تصنَّف مجتمعات بأكملها، برتبة عملاء، لان ميزان القوى عند سكوت المدافع في نهاية الثمانينيات، ذهب لصالح خصومها!