المصدر: النهار
الكاتب: رندة تقي الدين
الثلاثاء 10 كانون الاول 2024 07:30:31
فر بشار الأسد من بلده مع عائلته إلى موسكو في8 كانون الأول. يأتي هذا التاريخ قبل أربعة أيام من ذكرى اغتيال الصحافي جبران غسان تويني على أيدي وكلاء الرئيس السوري الفار. سقط عهد الأسد الأب حافظ والإبن بشار بعد 54 سنة من القتل والتعذيب والاغتيال والقمع للشعبين السوري واللبناني. الحدث يأتي أيضاً بعد يومين من ذكرى ميلاد الزعيم كمال جنبلاط الذي قتلته يد الغدر بأمر من الأسد الأب حافظ. كأن صدفة تاريخ هذا الزلزال السوري هي هدية إلهية لذكرى شهيدي الحرية والاستقلال في لبنان. فالأسدان، الأب والإبن، اعتمدا الاغتيال والتعذيب في سوريا وفي لبنان للذين تجرؤوا على السعي إلى الحرية والاستقلال وسيادة لبنان.
كلف بشار شلته في لبنان ووكلاءه في "حزب الله" وغيرهم تنفيذ جرائم قتل من عارضوا الوصاية السورية على لبنان. كانت إطلالات جبران تويني على شاشات التلفزيونات العربية لامعة بشجاعته وكلماته القوية عن الوصاية السورية ونتائجها الكارثية على البلد، وبمطالبته بالاستقلال والحرية، كما افتتاحياته في "النهار"، المباشرة في انتقاداته لمنفذي الإرادة الأسدية في لبنان. اغتالته يد الغدر بآلية الذعر التي اعتمدها بشار في لبنان، كما اغتالت الزميل سمير قصير الذي كتب مقالات لامعة عن "ربيع دمشق" وتوقه للحرية والاستقلال في لبنان. قلما جبران وسمير أزعجا الأسد الابن لأنهما كانا وطنيين وغير مستسلمين للطاغي السوري.
أعطى بشار الأسد الأمر بتفجيرهما، تماماً كما حل بقلم سليم اللوزي الذي أزعج الأسد الأب فطلب اإزالته وقتله بأبشع الطرق. تحدى جبران في إطلالاته التلفزيونية رجال نظام الأسد الإبن وكان في لقائه التلفزيوني الأخير مع أحد سفراء بشار الأسد في الخارج بارعاً ومتفوقاً في حججه وفي توجيه الرسائل إلى نظام الأسد بترك لبنان يعيش في السلم والاستقلال. لكن جواب الأسد كان لعملائه "فجروه". كما فعل مع الزميل سمير قصير ومع رئيس الحكومة اللبنانية الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، لأنهم سعوا إلى إخراج الجيش السوري من لبنان عبر قرار مجلس الأمن ١٥٥٩ الذي ساهم في وضعه الرئيس الحريري مع صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، فأمر الأسد باغتياله على يد وكيله في لبنان "حزب الله".
كان حافظ الأسد أعطى المثل الأعلى لابنه بقتله الزعيم اللبناني كمال جنبلاط الذي سعى الى الاستقلال والمصالحة في بلده والدفاع عن القضية الفلسطينية. حكم الأسد الأب لبنان بالاغتيالات، لم يتحمل انتخاب بشير الجميل رئيساً فأمر باغتياله. ثم تم اغتيال الرئيس رينيه معوض لأنه لم يكن مرشح الأسد الذي كان منذ البداية يريد انتخاب الياس الهراوي. وبالعودة إلى جلسة الاتفاق على انتخاب رئيس لبناني بعد مؤتمر الطائف في فندق رويال مونسو الباريسي، قيل إن عبد الحليم خدام، نائب حافظ الأسد آنذاك المسوؤل عن الوصاية السورية في لبنان، اتصل هاتفياً بالزعيم وليد جنبلاط قائلاً له اإنه يفضل انتخاب الهراوي على معوض، ولكن جنبلاط أصر على انتخاب معوض. تم انتخاب معوض رئيساً، لكن سرعان ما تم اغتياله على يد الغدر نفسها بعد أسبوعين. هكذا كان نهج الأب، واستمر الإبن بمساعدة شقيقه ماهر بتوزيع أوامر الاغتيال في لبنان مع حليفه "حزب الله"، وكيل إيران في لبنان.
لائحة اللبنانيين الذين أمر الأسد الإبن باغتيالهم طويلة تبدأ بالوزير مروان حمادة، خال جبران تويني، والذي كانت محاولة اغتياله الفاشلة رسالة إلى الرئيس رفيق الحريري الذي تم اغتياله لاحقاً، والصحافية الزميلة الشهيدة الحية مي شدياق التي ازعجت الوصاية السورية بإطلالاتها التلفزيونية المطالبة باستقلال القرار اللبناني، والوزراء والنواب والشخصيات السياسية والأمنية: الوزير بيار الجميل والنائبان أنطوان غانم ووليد عيدو وجورج حاوي والمستشار محمد شطح ووسام الحسن ووسام عيد وغيرهم.
ورث الأسد الإبن عادة القتل والاغتيال من والده حافظ الذي تميز عن الابن بأنه كان أذكى منه وذا حنكة سياسية أكبر، لكن بيد حديدية وحشية أورثها ابنه بشار. عهد حافظ اشتهر في سوريا بمجزرة حماة التي تم تنفيذها على يد شقيقه رفعت الذي كان قائد "سرايا الدفاع" التي قتلت آلاف السوريين بذريعة محاربة "الإخوان المسلمين" المعارضين لحافظ الأسد. الإبن اجتهد بعد والده في حربه بالبراميل الكيماوية على شعبه عام ٢٠١١ عندما طالبوه بالحرية، فكان رده بحرب أهلية أدت الى مقتل نصف مليون سوري ولجوء الملايين إلى تركيا ولبنان والأردن وإلى بلدان العالم.
أنقذته إيران و"حزب الله" على الأرض والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حصل على قاعدتين لروسيا واحدة بحرية والثانية جوية للحفاظ على النظام. لكن روسيا فشلت في ذلك نتيجة انهماك جيشها وقدراتها العسكرية في حربها في أوكرانيا، وإيران تخلت عن حمايته مع "حزب الله" نتيجة تراجع قدراتها العسكرية والمالية على إثر الحرب الإسرائيلية على لبنان وتدمير "حزب الله".
عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية لم تنقذه، ووعوده لأشقائه العرب لم ينفذها لأنه كذب مثل عادته. فعندما التقى العاهل السعودي الملك عبدالله بعد اغتيال الحريري قال له الأخير: "حذرتك من قتل رفيق الحريري"، فرد قائلاً: "أنا لم أقتله". واصل تصدير الكبتاغون ولم يطلب من إيران مغادرة بلده واستمر في الاعتماد على "حزب الله". سقط بشار ومعه تاريخ دموي لنصف قرن.
واليوم، في ذكرى اغتيال جبران تويني يوم١٢ كانون الأول ٢٠٠٥ وكل شهداء الاغتيال الأسدي الذين دفعوا بدمهم وبأقلامهم ثمن الحرية والاستقلال، الأمل هو أن تمحو سوريا الجديدة هذا التاريخ الظالم وتعمل من أجل إخراج البلد من دوامة العنف والقمع والسجون المأسوية التي كشفها الثوار، ويتم العمل على بناء مستقبل أفضل.