المصدر: المدن

The official website of the Kataeb Party leader
الأحد 13 تموز 2025 07:32:55
في خضمّ الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2024، وما رافقها من أزمات اقتصادية خانقة بدأت مع نهاية عام 2019 وحتى اليوم، خرجت العديد من العلامات التجارية العالمية من السوق اللبنانية لكن في المقابل، اقتحمت علامات تجارية محلية السوق وأثبتت نجاحها. وأفسحت مقاطعة اللبنانيين لبعض الشركات الأجنبية على ضوء الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، المجال أمام إطلاق منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات السوق المحلية أبرزها في قطاع الصناعات الغذائية، الذي شهد طفرة ملحوظة، بالإضافة إلى قطاعي الأزياء والتجميل اللذين شهدا ازدهاراً واضحًا في السنوات الأخيرة.
1200 علامة تجارية
يُعد لبنان من الدول الرائدة عربيًا في خلق وتصدير العلامات التجارية إلى الخارج خصوصًا عبر مانحي الامتياز الذين طوروا أفكارهم محليًا، على ما يقول رئيس جمعية تراخيص الامتياز في لبنان (الفرانشايز) يحيى القصعة في حديثه لـ"المدن". فقد سعى مانحو الامتياز منذ بداية الأزمة عام 2020 حتى اليوم لصوغ حلول بديلة، بفعل نقص التمويل وارتفاع كلفة الاستيراد، فقاموا بتصنيع الماركات داخليًا.
وعن واقع السوق بين عامي 2024 و2025، أشار القصعة إلى أن بعض الشركات عادت إلى استيراد الماركات من الخارج، رغم استمرار الاقتصاد المحلي بإنتاج علامات منافسة. ويُقدّر عدد العلامات التجارية العاملة بنظام "الفرانشايز" في لبنان بنحو 1200 علامة، توزّعت بالتساوي بين 600 علامة محلية تُمنح على شكل امتيازات للتصدير و600 علامة مستوردة من الخارج تعمل ضمن السوق المحلي.
وأشار إلى أن قطاع الفرانشايز يُسهم بنحو 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تراجع حجمه من أكثر من ملياري دولار قبل الأزمة إلى نحو 500 – 600 مليون دولار حاليًا، رغم أن ثلاث علامات محلية استقطبت استثمارات خليجية تجاوزت 110 مليون دولار لكل منها.
وأضاف القصعة أن قطاع "الفرانشايز" يُشغّل أكثر من 100 ألف موظف، وتتصدّر المطاعم هذا النشاط التجاري بنسبة 49 في المئة، تليها الأزياء والمجوهرات والتصاميم الداخلية. أما نماذج العمل فتتوزع بين مصنّعين وتجار أو الاثنين معًا.
النجاح لـ25% من العلامات
ومع صعوبة الأوضاع الاقتصادية وتأزم الوضع الأمني وتقلّبه محلياً وإقليمياً، يبقى جوهر الماركات المحلية، ومرونة الابتكار الذي يتمتع به السوق اللبناني، لافتاً بأفكاره وأسلوبه، وهو ما دفع باللبنانيين إلى الاستثمار في العلامات التجارية. وعلى الرغم من أن نسبة النجاح لا تتجاوز 20 إلى 25 في المئة من المشاريع، بحسب القصعة إلا أن بعض المشاريع تظهر قدرة واضحة على النجاح وتحقيق أرباح كبيرة.
ورغم غياب التمويل المصرفي، شهدت بيروت مؤخرًا إطلاق ما بين 32 و34 علامة تجارية جديدة، فيما أسهمت الاستثمارات الخليجية في تعزيز حضور العديد من العلامات التجارية المحلية، خصوصًا في قطاعَي المطاعم والأزياء، ما أعطى دفعة قوية لهذا النمو وسط التحديات.
من الانهيار إلى الإنتاج
وفي موازاة ما يشهده قطاع "الفرانشايز" من تحولات جذرية ومحاولات التكيّف مع الأزمة، برزت ظاهرة أوسع شملت الاقتصاد اللبناني عمومًا، حيث انعكس الانهيار المالي إلى جانب تداعيات جائحة كورونا على تحفيز وتطوير الإنتاج المحلي وولادة علامات تجارية جديدة، كما أوضح خبير السياسات العامة والباحث الاقتصادي شادي نشّابة.
وأشار نشّابة في حديثه إلى "المدن" إلى أن الصناعة المحلية باتت تشكّل 12 في المئة من الناتج المحلي، وهو رقم لافت في بلد كان يعتمد على الاستهلاك أكثر من الإنتاج. ولفت إلى أن تراجع الثقة بالقطاع المصرفي، وانهيار العملة، شجّعا المواطنين على استثمار مدخراتهم في مشاريع إنتاجية بدلًا من إيداعها في المصارف. كما أدى تفشي جائحة كورونا عام 2020 إلى طفرة في الصناعات الوقائية، في وقت تعقّد فيه الاستيراد وأصبح التركيز أكبر على الإنتاج المحلي.
علامات لبنانية تتوسّع رغم الخسائر
هذا التحوّل في سلوك المواطنين نحو الاستثمار والإنتاج، ترافق مع دور فاعل للدولة اللبنانية ودعم خارجي، ساهما بدورهما في ترسيخ هذه الدينامية الجديدة داخل السوق وتوسيع آفاقها نحو الخارج، وفي هذا السياق لفت نشّابة إلى أن الدولة اللبنانية لعبت دورًا أساسيًا في تسويق المنتجات اللبنانية في الخارج من خلال عقد الاتفاقيات وتسهيل الإجراءات المالية والإدارية، خصوصاً فيما يخص تأسيس الشركات والمصانع الجديدة، بالإضافة إلى دورها في حماية الملكية الفكرية، وهو ما اعتبره عنصرًا جوهريًا في دعم هذا المسار.
كما أوضح أن الاستثمارات الخارجية حفّزت نشوء علامات لبنانية نجحت في أسواق خارجية، أبرزها دبي والسعودية والكويت وغيرها من الدول الخليجية. ورغم هذا النجاح، بيّن نشّابة أن نحو 10 آلاف مؤسسة صغيرة أغلقت أبوابها و1200 مقهى، فيما أُقفل 30 في المئة من المنشآت الصناعية والتجارية، إلا أنه في المقابل ظهرت نحو 35 في المئة من العلامات التجارية الجديدة في السوق المحلي.
أثبتت الأزمة اللبنانية، رغم شدتها، أن اللبنانيين أفرادًا وشركات قادرون على الإبداع والإنتاج وتحويل التحديات إلى فرص من خلال تأسيس مشاريع خاصة بهم وملء الفراغ الذي خلفته العلامات التجارية العالمية. وفيما تتعزّز مكانة العلامات اللبنانية الجديدة في الأسواق، يظهر هذا التحوّل كفرصة حقيقية لإرساء اقتصاد إنتاجي مستقل، ينهض من قلب الأزمات، ويعيد للبنان شيئاً من قدرته على الاكتفاء والتفوّق.