في لبنان... مليون حبة كبتاغون لكل مصنع يومياً

تحوّل مسار التهريب البري من لبنان وسوريا مروراً بالأردن والعراق شائكاً ومعقداً، ما أدى وفق المعلومات التي حصلت عليها "النهار" إلى انشاء معامل الكبتاغون في هولندا وبلجيكا للتمويه، وهذا ما يعتمده التجار حيث يرسلون كمحطة أولى البضاعة إلى أوروبا أو أفريقيا ومن ثم إلى الخليج.

وبالرغم من أن لبنان يُصنع الكبتاغون فإنه ليس مجتمعاً مستهلكاً له. ويعتبر لبنان مثل سوريا والأردن مناطق عبور حيث السوق الأساسي هو الخليج العربي مثل السعودية والكويت والعراق ، في حين تعتمد إيران في الآونة الأخيرة على "الكريستال" أو ما يعرف بمخدر "الشابو" بشكل كبير. بينما تستهلك الإمارات الكوكايين والحشيشة.

ولأن لبنان من ضمن دول المثلث في تصنيع وتهريب المخدرات وعلى رأسها الكبتاغون، تبقى التحديات كبيرة ومواصلة الحرب على هذه الظاهرة قائمة إلى حين اقتلاعها من الجذور.

يعترف رئيس الهيئة العربية لمكافحة المخدرات محمد عثمان أن لبنان يتأثر بالوضع الأمني للدول المجاورة، وتحديداً بسوريا حيث أدت الحرب والوضع الأمني هناك الى قدوم كبار التجار إلى لبنان وعلى الحدود اللبنانية ـ السورية غير المنضبطة.

واعتمد هؤلاء التجار المناطق الجبلية التي لا تخضع للمراقبة الأمنية اللبنانية أو السورية لانشاء مصانع عديدة، حيث لجأت الدولة اللبنانية بإمكانياتها المتواضعة إلى اقفال ومداهمة المصانع الكبيرة، وكذلك فعلت الدولة السورية حيث سمعنا عن مداهمات وقصف مصانع كبيرة لبعض كبار التجار المعروفين ومنهم "الاسكوبار السوري".

مليون حبة لكل معمل يومياً
وفي ضوء الأحداث التي كانت تحصل في سوريا، قامت بعض المصانع بالانتقال إلى القرى الواقعة بين لبنان وسوريا. أما في مسألة تصنيع الكبتاغون في لبنان، يقول عثمان إنه يوجد الكثير من معامل التصنيع وكل معمل يصنع حوالى مليون حبة كبتاغون يومياً. ويجب أن نعرف أن الكميات المضبوطة من المخدرات أقل بكثير من الغير مضبوطة. كذلك من المهم الإشارة إلى أن كل شحنة مهربة يكون أمامها 10 او 20 شحنة مضبوطة.

واللافت وفق عثمان أن هذه المعامل الصغيرة تعمل بحرفية عالية وتُركب بسرعة ويتم تصنيع الحبوب بغزارة وبكميات كبيرة ولكن توفير المواد الأولية قد تُشكّل عائقا أو تأخيراً لتأمينها.

ثاني أكبر مطلوب في قبضة الأمن
في موازاة ذلك، أكدت مصادر متابعة للملف لـ"النهار" أنه منذ شهر تقريباً أُلقي القبض على ثاني أكبر مطلوب بعد ج. ش وهو م. ج الذي كانت الجهزة الأمنية تحاول رصده منذ فترة ولكن نتيجة اعتماده أساليب للتخفي لم يكن سهلاً إلقاء القبض عليه بسهولة.

وعمد م. ج إلى اعتماد جواز سفر قريب له يعاني من مشاكل عقلية وبات يسافر على إسم شخص آخر، بالإضافة إلى اعتماده على وثائق زواج مزورة. وكانت أعماله ترتكز على تهريب المخدرات على الدول العربية لاسيما الكبتاغون، ولديه شركاء عديدين منهم سوريين ولبنانيين وكان يعتمد على شخص آخر إسمه أ. ال الذي كان مكلفاً بنقل مخدرات الكوكايين عن طريق البرّ على الكويت أو مصر و العراق.

أما الأسلوب الذي كان يعتمده تجار المخدرات مؤخراً وفق ما كشفت التحقيقات تتمثل إما في البلع أو في اخفائها في قلب جسم الحقائب من خلال مزجها بالبلاستيك خلال تصنيعها ( تصب صب كسائل ) وبالتالي تظهر المادة كأنها جزء من الحقيبة بحد ذاتها ويصعب على السكانر أو العناصر الأمنية اكتشافها.

أما زوجة الموقوف م. ج والتي تدعى نانسي كانت تملك محلاً لتحويل الأموال في بيروت وبعلبك، تستعملهما لنقل الأموال المتعلّقة بعمليّات التّهريب، مستخدمةً أسماء مموّهة.

كذلك، علمت "النهار" عن تنحي أكثر من قاضي في قضية الموقوف محمد جعفر، كما عُلم عن توقيف مطلوب كبير عراقي في بيروت في مسألة المخدرات.

مصانع في هولندا وبلجيكا للتمويه
هذه المداهمات والتوقيفات تؤكد مرة جديدة الحزم الشديد في مكافحة هذه الظاهرة التي تنامت بشكل مخيف في السنوات العشر الماضية. وبعد أن عمل الجيش والقوى الأمنية على مداهمة مصانع الكبتاغون في السنوات الماضية، يمكن الحديث اليوم عن تراجع كبير لعدد هذه المصانع في لبنان، حيث انتقلت بشكل أساسي من لبنان إلى الحدود السورية والداخل السوري.

ونتيجة ذلك، تشدد المصادر على أن الملاحقات لا تقتصر فقط على تهريب المخدرات وإنما على الأموال الناتجة عنها حيث يتم متابعة أصول أموال المهرب ومصادرتها وفق ما ينص عليه قانون مكافحة المخدرات إلى مصادرة كل المحصلات الناتجة عن المخدرات والأدوات المستخدمة في التصنيع والتصدير لصالح الدولة. وعليه، يجب على الدولة أن تكون حازمة في الجرائم المالية وضبط أموال وممتلكات المصنّع و التاجر في حال لم تتمكن من إلقاء القبض عليه.

المواد الأكثر استهلاكاً بحسب المناطق
وعن المناطق المصنعة وتلك المستهلكة للمواد المخدرة، يشير عثمان إلى أن كل منطقة لها خصوصيتها في المخدرات، على سبيل المثال وليس الحصر، في منطقة جبل لبنان أن الصنف الاكثر استهلاكاً هو الكوكايين، في الجنوب والشمال يتعاطى الناس الحبوب والحشيش ،في حين أن أقل نسبة تعاطي هي في البقاع لأنها اكثر تصنيعاً.

لا يُخفي جوزيف حواط رئيس جمعية "جاد"- شبيبة ضدّ المخدّرات أننا في السنة الأخيرة شهدنا تراجعاً في تصنيع الكبتاغون بعد قرار الإدارة الأميركية بصرف مليارات الدولارت لمكافحة تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط. لكن ضبط كمية كبيرة من الكبتاغون مهربة إلى تركيا من لبنان في 2 أيلول يدفعنا للتساؤل عن عودة التصنيع بوتيرة كبيرة خصوصاً أن الكمية المضبوطة كبيرة جداً ولا يمكن لمعمل صغير تصنيعها.

وما يخشاه حواط أن الكمية المضبوطة تُشكّل عادة 12 في المئة من الكميات المهربة، وهذه الحادثة تعيدنا إلى النقطة الأساس حول التصنيع الفعلي في لبنان لاسيما في المناطق المتداخلة على الحدود.

اللافت في موضوع الكبتاغون أن حبة الكبتاغون تُكلف في جملتها حوالى 17 سنتاً وهي تباع اليوم في بعض المناطق بأقل من كلفتها، وليس بالصدفة أن توافر هذه المواد المخدرة هدفها القضاء على جيل الشباب وتحويله إلى فئة مدمنة.

تلف 42 مليون حبة في لبنان
منذ شهرين أتلفت جمعية جاد مع مديرية الجيش في ثكنة كفرشيما حوالى 42 مليون حبة كبتاغون، وهذه الكمية المضبوطة كانت في مرفأ بيروت خلال عامين، فماذا عن باقي المناطق والمرافىء؟

يعترف حواط بـ"أننا وصلنا إلى القضاء على 80 في المئة من صناعة الكبتاغون في لبنان. إلا أن الشحنة الأخيرة التي ضُبطت في تركيا تفرض فتح تحقيق لمعرفة ملابساتها والمتورطين في عملية التهريب، ولا يخفى على أحد ان معبر المصنع والذي يعتبر أكبر معبر في لبنان يُشكّل خطراً في تهريب وتجارة المخدرات. كما لا نسمع عن ضبط شحنات على مرافىء بيروت وصيدا وصور، وما نسمعه محصور فقط في مرفأ بيروت وبعض الشحنات المضبوطة في مطار بيروت. في حين أن حركة التهريب ناشطة ومحمية ولا يمكن السكوت عنها بعد اليوم.

توجد اليوم مصانع صغيرة تعمل للتصنيع المحلي وتلبية حاجة السوق، خصوصاً أن الكبتاغون تعتبر المادة المخدرة الثانية للتعاطي نتيجة سهولة توفرها وتأمينها وكلفتها الرخيصة.

طرابلس من الحبوب إلى الكبتاغون
طرابلس عينة صغيرة لواقع مخيف في تعاطي المخدرات، فبعد أن كان التعاطي محصوراً في المناطق الشعبية في باب التبانة والقبة وضهر المغر وجبل محسن، يتحدث محمود الناظر، مدير مركز الطب الجامعي في طرابلس عن توسع رقعة التعاطي لتشمل أحياء ومناطق أخرى مثل المنيه والحيّ الشعبي والمساكن والبداوي... وانتقل التعاطي من حبوب الترامال وأدوية الأعصاب في العام 2011- 2012 إلى انتشار كثيف لظاهرة تعاطي الكبتاغون حيث توسعت دائرة المدمنين لتشمل الفئة العمرية من 15 حتى الخمسين عاماً.

وبعد أن بلغت نسبة التعاطي في طرابلس إلى 45 في المئة منذ 6 سنوات، من المؤكد أن النسبة إلى ازدياد وانتشار هذه الظاهرة في توسع مستمر.

ووفق الناظر، "الفئة الأكثر استهلاكاً لحبوب الكبتاغون هي للأشخاص الذين يعملون في الحديد والبؤر لأنها تعطي قوة وطاقة حتى يعملوا لوقت أكبر. وعليه، يتعاطى هؤلاء الكبتاغون عن طريق الجهل وفي غياب الوعي لمخاطرها، والبحث عن مصدر قوة لتحمل مشقات العمل.

الاستهلاك وفق الطبقة الاجتماعية
تشير المصادر إلى أن استهلاك المواد المخدرة تختلف وفق الطبقة الاجتماعية، إذ يلجأ الميسورون إلى استهلاك الكوكايين في حين تعتمد الطبقة الشعبية أو الفقيرة إلى "الحشيشة" أو الحبوب الرديئة مثل "اكستاسي".

كذلك من المهم أن نعرف أن هناك نوعين من المخدرات الصناعية ، النوع الأول يعطي الطاقة والنشاط مثل الكبتاغون بينما النوع الثاني يساعد على الاسترخاء مثل الحشيشة.

وتجدر الإشارة إلى أن الكبتاغون يحتوي على طبقات مختلفة ويمكن أن يُضاف عليه مواد أخرى، وكل تاجر يكون له طبعة خاصة له حسب طبيعتها.

من 15 ألف إلى 100 ألف ليرة
كيف تصل هذه المواد المخدرة إلى طرابلس؟

يؤكد الناظر أنها تسلم عبر خدمة "الديلفيري" وأسعارها الرخيصة التي لا يتعدى سعر الحبة الواحدة 15 ألف ليرة لبنانية تجعل هذه المادة في متناول الجميع.

البداية تكون مع سيجارة الحشيشة ويكون استهداف الأشخاص مدروساً، إذ يبحث التجار عن أشخاص يائسين وعاطلين عن العمل لإيقاعهم في شراعهم، وتقدم السيجارة مجاناً في المرات الأولى قبل أن ننتقل إلى مرحلة العرض والطلب مقابل المال.

أما عن إيصال هذه الحبة، يوضح الناظر أنها في حال كانت التصنيع في بعلبك والهرمل ووادي خالد لا يتعدى سعر الحبة 15 إلى 20 ألف ليرة لبنانية، أما في حال كانت تُباع في الشارع فقد يصل سعرها إلى 100 ألف ليرة لبنانية. وهذا ما جعل منطقة طرابلس مجتمع استهلاكي للمخدرات وليس مصنعاً، إذ لا يوجد مصنع في المنطقة وإنما تجار موزعين يعملون على تأمين المواد المخدرة ويبيعونها وفق كلمات سر عديدة.

وعليه، أصبحت طرابلس سوقاً للبيع وليس للتصنيع. وتأتي الشحنات إما من سوريا أو من المصانع الموجودة على الحدود عبر خدمة "الديليفري"، وما يزيد سهولة تمرير بعض الشحنات وجود بطاقات تسهيل مرور أو حماية موكب والتي تسهل التنقل من دون الوقوف على الحواجز وتفتيش الشحنة.

وأمام هذا الواقع، تبقى المساءلة أهم من كل شيء، فإلى ماذا نحتاج للقضاء على ظاهرة التهريب وتجارة المخدرات في المنطقة؟

برأي عثمان، في لبنان نحن بحاجة إلى قرار سياسي وإبعاد السياسيين عن هذا الملف وتعزيز مكاتب مكافحة المخدرات بالعتاد والعتيد لمكافحة هذه الآفة. على سبيل المثال لا يمكن تحويل التهمة من تجارة المخدرات إلى تعاطيها فقط لأنه ابن مرافق لأحد السياسيين.

أما على الصعيد الوطن العربي، من المفترض أن يكون هناك خطة استراتيجية ثابتة ولجنة ارتباط تضم كبار الأمنيين والخبراء في الكيمياء لتعميم أي صنف مخدر يتم تصنيعه وضمان عدم انتشارها.